الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
5845 - (فرج سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا فأفرغها في صدري ثم أطبقه ; ثم أخذ بيدي فعرج بي إلى السماء الدنيا فلما جئنا السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا: افتح، قال من هذا؟ قال: هذا جبريل، قال هل معك أحد؟ قال: نعم، معي محمد، قال: فأرسل إليه؟ قال نعم، فافتح ; فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، والأسودة التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى ; ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها: افتح، فقال له خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح فلما مررت بإدريس قال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت: من هذا؟ قال: هذا إدريس ثم مررت بموسى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، فقلت: من هذا؟ قال: هذا موسى ثم مررت بعيسى فقال: مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت: من هذا؟ قال: هذا عيسى بن مريم ثم مررت بإبراهيم، فقال: مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت: من هذا؟ قال: هذا إبراهيم ; ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام، ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة فرجعت بذلك حتى مررت على موسى فقال موسى: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قلت: فرض عليهم خمسين صلاة، قال لي موسى: فراجع ربك؛ فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت ربي فوضع شطرها فرجعت إلى موسى فأخبرته فقال: راجع ربك فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فقال: هن خمس وهن خمسون، لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى فقال: راجع ربك قلت: قد استحييت من ربي ; ثم انطلق بي حتى انتهى إلى سدرة المنتهى، ونبقها مثل قلال هجر، وورقها كآذان الفيلة تكاد الورقة تغطي هذه الأمة فغشيها ألوان لا أدري ما هي؟ ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك) (ق) عن أبي ذر، إلا قوله: ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام فإنه عن ابن عباس وأبي حبة البدري- (صح) .

[ ص: 425 ]

التالي السابق


[ ص: 425 ] (فرج) بالفاء للمفعول لتعظيم الفاعل؛ أي: فتح بمعنى شق (سقف) لفظ رواية البخاري عن سقف (بيتي) أضافه إليه لسكناه به، وكان ملك أم هانئ فلذلك أضيف إليها في رواية باعتبار ملك البقعة ولا يعارضه رواية أنه كان بالحطيم؛ لأنه فرج به من البيت إلى الحطيم وحكمة التعبير بالانفراج أن الملك انصب عليه من السماء انصبابة واحدة وفيه أيضا تمهيد بما وقع من شق صدره فكأن الملك أراه بانفراج السقف والتئامه كيفية ما سيفعل به لطفا به وتثبيتا له كذا قرره ابن حجر وفيه نظر لما أن الشق كان وقع من قبل أيضا (وأنا بمكة ) جملة حالية دفع به توهم أنه كان بغيرها (فنزل جبريل) فانطلق به من البيت إلى الحجر ومنه كان الإسراء فلا يعارضه رواية إن الإسراء كان من المسجد ودخل من السقف لا الباب لكونه أوقع صدقا في القلب وأبلغ في المفاجأة وتنبيها على وقوع الطلب بغير موعد (ففرج) بفتح الفاء والراء والجيم؛ أي: شق (صدري) ما بين النحر إلى اللبة كما في رواية وقد شق صدره وهو صغير في بني سعد لينشأ على أكمل الأحوال ثم عند التكليف وهو ابن نحو اثني عشر لئلا يلتبس بشيء مما يعاب على الرجال ثم عند البعث ليتلقى ما يلقى إليه بقلب قوي ثم عند إرادة العروج وهو الذي الكلام فيه ليتأهب للمناجاة، وهل شق صدره من خصائصه؟ خلاف (ثم غسله) ليصفو ويزداد قابلية لإدراك ما عجز القلب عن معرفته وكان غسله (بماء زمزم) لكون أصله من الجنة فيقوى على مشاهدة الملكوت الأعلى ومن خواصه أنه يقوي القلب ويسكن الروع وأخذ منه البلقيني أنه أفضل من الكوثر (ثم جاء) ؛ أي: جبريل (بطست) بفتح أو كسر فسكون السين مهملة والمعجمة لغة لم يقف عليها من جعلها من لحن العامة، وخصه دون بقية الأواني؛ لأنه آلة الغسل عرفا وكان (من ذهب) ؛ لأنه أعلى أواني الجنة ولسرور القلب برؤيته وصفرته صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ؛ ولأن الطبائع الأربع فيه على السواء؛ ولأنه أثقل الأشياء فهو موافق لثقل الوحي؛ ولأن الأرض وكذا النار لا تأكله ولا تغيره كالقرآن وهذا قبل تحريم الذهب؛ لأنه إنما حرم بالمدينة مع أنه فعل الملائكة ولا يلزم كونهم مثلنا في تحريم استعمال النقد كذا قالوه، قال ابن جماعة: وأحسن منه أن يقال هذه من آنية الجنة فلا يحرم استعمالها؛ لأنها خلقت للإباحة مطلقا (ممتلئ) صفة لطست وذكره على معنى الإناء لا على الطست؛ لأنها مؤنثة (حكمة) ؛ أي: علما تاما بالأشياء أو فقها أو قضاء أو عدلا (وإيمانا) تصديقا أو كمالا استعد به لخلافة الحق، فالعطف يقرب من التأكيد والتتميم، والملء مجاز عن عدم سعته لشيء آخر أو عن شدة الكثرة (فأفرغها) ؛ أي: الطست والمراد ما فيها وجعل الضمير للحكمة ضعفه النووي بأنه يصير إفراغ الإيمان مسكوتا عنه (في صدري) صبها في قلبي (ثم أطبقه) غطاه وجعله مطبقا وختم عليه حتى لا يجد عدوه إليه سبيلا (ثم أخذ) جبريل (بيدي) ؛ أي: أقامني وانطلق (فعرج) بالفتح؛ أي: جبريل (بي) ؛ أي: صعد وفي رواية به على الالتفات (إلى السماء الدنيا) ؛ أي: القربى منا وهي التي تلينا وننظرها ويقال لها الرفيع، وفي خبر أحمد إنها موج مكفوف ولم يذكر الإسراء إلى بيت المقدس إما اختصارا من الراوي أو لأن هذه قصة أخرى ليس فيها إسراء بناء على تعدد المعراج (فلما جئنا إلى السماء الدنيا قال جبريل لخازن السماء الدنيا افتح) ؛ أي: بابها وهذا يفيد أنه كان مغلقا وحكمته إظهار أنه لم يفتح إلا له بخلاف ما لو وجده مفتوحا وفيه دليل على أن المعراج كان ببدنه وإلا لما استفتح (قال) الخازن (من هذا) الذي قال افتح (قال هذا جبريل) ولم يقل أنا؛ لأن قائلها يقع في العنا (قال هل معك أحد قال نعم معي محمد) فيه إشارة إلى أنه إنما استفتح لكونه مع إنسان ولو انفرد لما طلب الفتح وإلى أن السماء محروسة لا يدخلها أحد

[ ص: 426 ] إلا بإذن (قال فأرسل إليه) ؛ أي: هل أرسل إليه للعروج رسولا، والقول بأن معناه هل صار رسولا غير ظاهر؛ لأن أمر نبوته ظاهر لا يخفى على الملائكة (قال نعم ففتح فلما) ؛ أي: فتح لنا (فلما علونا السماء الدنيا فإذا) للمفاجأة وكذا أخواتها (رجل عن يمينه أسودة) قال الزمخشري : جمع سواد وهو الشخص والمراد هنا جماعة من بني آدم (وعن يساره أسودة) أشخاص أيضا (فإذا نظر قبل يمينه ضحك) سرورا وفرحا (وإذا نظر قبل شماله بكى) حزنا وغما (فقال) ؛ أي: فسلمت عليه فقال (مرحبا) ؛ أي: لقيت رحبا وسعة فاستأنس ولا تستوحش، كلمة تقال لتؤنس القادم، قال التوربشتي : مر وسلم على الأنبياء وإن كان أفضلهم؛ لأنهم كانوا غائبين عنه وكان في حكم القائم وهم في حكم القعود والقائم يسلم على القاعد (بالنبي الصالح والابن الصالح) اقتصر هو ومن يجيء على الصلاح؛ لأنه صفة تشمل كمال الخير ولذا كررها كل منهم عند كل صفة، والصالح القائم بما لزمه من حقوق الحق والخلق، ونص على نبوته افتخارا به وخاطبوه بها لا بالرسالة مع كونها أشرف؛ لأن معه جبريل وهو موصوف بالرسالة فلو قيل مرحبا بالرسول ربما التبس (قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم) أبو البشر (وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه) ؛ أي: أرواحهم والنسم بفتح النون والسين مهملة جمع نسمة بفتحها وروي بشين معجمة، والأول أصح (فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى) ولا يلزم من ذلك أن تكون أرواح الكفار في السماء؛ لأن الجنة في جهته عن يمينه والنار في شماله فالرائي في السماء والمرئي في غيرها (ثم عرج بي جبريل حتى أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح فقال خازنها مثل ما قال خازن السماء الدنيا ففتح فلما مررت بإدريس) فيها (قال) لي (مرحبا) قال القاضي : من رحب رحبا بالضم إذا وسع وهو من المفاعيل المنصوبة لعامل مضمر لازم إضماره والمعنى أتيت رحبا وسعة (بالنبي الصالح والأخ الصالح) ذكر الأخ تلطفا وتواضعا إذ الأنبياء إخوة والمسلمون إخوة ولم يقل الابن؛ لأنه ليس من ذريته (قلت) لجبريل (من هذا) المرحب (قال هذا إدريس) النبي وقضيته أن إدريس في الثانية وليس مرادا؛ إذ ثم لترتيب الأخبار لا للواقع، وكذا يقال في ذكر موسى قبل عيسى على أن هذه الرواية شاذة مخالفة للروايات الصحيحة (ثم مررت بموسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح فقلت من هذا قال هذا موسى ثم مررت بعيسى فقال مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح قلت من هذا قال هذا عيسى بن مريم) ثم هنا للترتيب الإخباري لا الزماني إلا إن قيل بتعدد المعراج إذ الروايات متفقة على أن المرور بعيسى قبل موسى (ثم مررت بإبراهيم) الخليل (فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح فقلت من هذا قال هذا إبراهيم) الخليل ورؤيته كل نبي في السماء يدل على تفاوت رتبهم

[ ص: 427 ] وعبوره على جميعهم يدل على أنه أعلاهم رتبة والمرئي أرواحهم لا أجسادهم إلا عيسى فشخصه (ثم عرج بي حتى ظهرت) ؛ أي: ارتفعت (بمستوى) بفتح الواو موضع مشرف يستوي عليه وهو المصعد (أسمع فيه صريف الأقلام) بفتح الصاد المهملة صريرها على اللوح حال كتابتها في تصاريف الأقدار (ففرض الله عز وجل على أمتي) ؛ أي: وعلي، وهذا بمعنى أوجب، فسقط ما قيل النسخ لا يدخل الأخبار (خمسين صلاة) في رواية في كل يوم وليلة، قيل كانت كل صلاة ركعتين (فرجعت بذلك حتى مررت على موسى) في رواية: ونعم الصاحب كان صاحبكم (فقال موسى ماذا فرض ربك على أمتك قلت فرض عليهم خمسين صلاة، قال موسى فراجع ربك) في رواية فارجع إلى ربك؛ أي: إلى المحل الذي ناجيته فيه واعتنى موسى بذلك دون غيره؛ لأنه لما قال يا رب اجعلني من أمة محمد لما رأى كرامتهم على ربهم اعتنى بهم كما يعتني بالقوم من هو منهم (فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فوضع شطرها) يعني نصفها؛ فقد حققت رواية ثابتة أن التخفيف كان خمسا خمسا وهي زيادة معتمدة فتحمل بقية الروايات عليها (فرجعت إلى موسى فأخبرته) بذلك (فقال راجع ربك) ؛ أي: إلى محل المناجاة (فإن أمتك لا تطيق ذلك فراجعت ربي فقال هن خمس) عددا (وهي خمسون) ثوابا (لا يبدل القول لدي، فرجعت إلى موسى، فقال راجع ربك فقلت قد استحيت من ربي) تقديره حتى استحيت فلا أرجع فإن رجعت كنت غير راض ولا مسلم .ولكني أرضى وأسلم أمري وأمرهم إلى الله تفرس من كون التخفيف وقع خمسا أنه لو سأل التخفيف بعد كان سائلا في رفعها مع ما فهم من الالتزام في الأخير بقوله هي خمس إلخ (ثم انطلق بي) ؛ أي: جبريل ولم يقل عرج إشعارا بأنه لا عروج من السابعة (حتى انتهى إلى سدرة المنتهى) ؛ أي: إلى حيث تنتهي إليه أعمال العباد أو نفوس السائحين في الملأ الأعلى فيجتمعون فيه اجتماع الناس في أنديتهم أو إليه ينتهي علم الخلائق من الملائكة والرسل وأرباب النظر والاعتبار وما وراءه غيب لا يطلع عليه غيره تعالى، ذكره كله القاضي . وقال غيره: سدرة المنتهى شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش من عجائب المخلوقات وبدائع المصنوعات ينتهي إليها علم الخلائق لا يتعداها نبي مرسل ولا ملك مقرب ولا يعارض ذا أنها في السادسة؛ إذ إن المراد أن أصلها وأسها فيها وأغصانها وفروعها في السابعة (ففيها ألوان لا أدري ما هي) في رواية فلا يستطيع أحد أن ينعتها من حسنها (ثم أدخلت الجنة) ؛ أي: والنار أيضا كما في رواية صحيحة لم يذكرها هنا اختصارا وزاد في الرواية وهي جنة المأوى ودار الإقامة. قال ابن العربي : وهي خارجة عن أقطار السماوات والأرض. وقال ابن عبد السلام: فيه أن سدرة المنتهى ليست في الجنة (فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ) بفتح الجيم فنون وكسر الموحدة جمع جنبذ بضم أوله وثالثه ما ارتفع واستدار كالقبة: فارسي معرب، ووقع في صحيح البخاري حبائل اللؤلؤ (وإذا ترابها المسك) وفيه عدم فرضية ما زاد على الخمس كالوتر وجواز النسخ في الإنشاءات قبل الفعل وأن الجنة موجودة والترحيب عند اللقاء والاستشفاع والمراجعة والحياء من تكثير الحوائج وأن الجنة في السماء وأن للسماء أبوابا وحفظة، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - من نسل إبراهيم ومدح الإنسان في وجهه عند الأمن من نحو عجب وغير [ ص: 428 ] ذلك مما أفرد بالتأليف

(ق عن أبي ذر) بتشديد الراء (إلا قوله ثم عرج بي حتى ظهرت بمستوى أسمع فيه صريف الأقلام فإنه عن ابن عباس وأبي حبة البدري) الأنصاري، وهو بحاء مهملة مفتوحة وباء موحدة وذكره القابسي بمثناة تحتية وغلط، وقال الواقدي: بالنون واسمه مالك بن عمرو بن ثابت، قال: وليس ممن شهد بدرا أحد يكنى بأبي حبة بالباء، وإنما أبو حنة من غزية من بني النجار قتل باليمامة ولم يشهد بدرا، والأول قاله عبد الله بن عمارة الأنصاري، قال الزركشي : وهو أعلم الأنصار



الخدمات العلمية