الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4520 - (الرحم شجنة من الرحمن، قال الله: من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته) (خ) عن أبي هريرة وعن عائشة - (صح) .

التالي السابق


(الرحم شجنة من الرحمن) ؛ أي: اشتق اسمها من اسم الرحمن كما بينه الخبر القدسي (أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي) فكأنها مشتبكة به اشتباك العروق أو هي اسم اشتق من رحمة الرحمن، أو أثر من آثار رحمته، فقاطعها منقطع عن رحمة الله (قال الله من وصلك) بالكسر خطابا للرحم (وصلته) ؛ أي: رحمه (ومن قطعك قطعته) ؛ أي: أعرضت عنه لإعراضه عما أمر به من شدة اعتنائه برحمه، وهذا تحذير شديد من قطعها، والمراد بها القرابة من الأبوين وإن بعدت ولم تكن محرما [تنبيه] قال القونوي: الرحم اسم خفيفة الطبيعة، والطبيعة عبارة عن حقيقة جامعة بين الحرارة والرطوبة والبرودة واليبوسة، بمعنى أنها عين كل واحدة من الأربعة بغير مضادة، وليس كل واحد من الأربعة من كل وجه عينها بل من بعض الوجوه، وأما أنها معلقة بالعرش؛ فلأن جميع الأجسام الموجودة عند المحققين طبيعية، والعرش أولها، وأما أنها شجنة من الرحمن؛ فلأن الرحمة نفس الوجود؛ لأنها التي وسعت كل شيء فإنه وسع كل شيء حتى المسمى بالعدم فإن له من حيث تعينه في التعقل والحكم عليه بأنه في مقابلة الوجود المحقق ضربا من الوجود ثم إن الرحمة لما كانت اسما للوجود كالرحمن اسم للحق، وأما كونها شجنة من الرحمن؛ فلأن الموجودات تنقسم إلى ظاهر وباطن، فالأجسام صور ظاهر الوجود، والأرواح [ ص: 54 ] المعاني، تعينات باطن الوجود والعرش مقام الانقسام، وأما استعاذتها من القطيعة؛ فلأن شعورها بالتحيز الذي عرض لها من عالم الأرواح وخص النفس الرحمني الذي هو مقام القرب التام الرباني فتألمت من حالة البعد بعد القرب وخافت من انقطاع الإمداد الرباني بسبب الفصل الذي شعرت به فنبهها الحق في عين إجابته لدعائها على استمرار الإمداد ودوام الوصلة من حيث المعية والحيطة الإلهيتان فسرت بذلك واطمأنت واستبشرت بإجابة الحق لها في عين ما سألت، وصلتها بمعرفة مكانتها وتفخيم قدرها، وقطعها بازدرائها والجهل بمكانها، وبخسها حقها، فمن ازدراها أو بخسها فقد بخس حق الله وجهل ما أودع فيها من خواص الأسماء، ولولا علي مكانتها عنده تعالى لم يخبرها حال الإجابة بقوله: (من وصلك) إلخ، من جملة الازدراء والقطع ذم متأخري الحكماء لها ووصفها بالظلمة والكدورة وطلب الخلاص من أحكامها والانسلاخ من صفاتها، فلو علموا أن ذلك متعذر وأن كل ما يحصل للإنسان بعد مفارقة النشأة الطبيعية فهو من نتائج مصاحبة الروح للمزاج الطبيعي وثمراته، وأن الإنسان بعد المفارقة إنما تنتقل من صور الطبيعة إلى العوالم التي هي مظاهر لطائفها، وفي تلك العوالم تتأتى لعموم السعداء رؤية لحق الموعود بها، والمخبر عنها أنها أعظم نعم الله على أهل الجنة فحقيقة تتوقف مشاهدة الحق عليه كيف يجوز أن تزدرى وأما حال الخصوص من أهل الله فإنهم وإن فازوا بشهود الحق ومعرفته هنا فإنه إنما تيسر لهم ذلك بمعونة هذه النشأة الطبيعية، حتى التجلي الذاتي الذي لا حجاب بعده فإنه باتفاق الكمل من لم يحصل له ذلك في هذه النشأة الطبيعية لا تحصل له بعد المفارقة

(خ) في الأدب (عن أبي هريرة ، وعن عائشة ) .



الخدمات العلمية