الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4645 - (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وافترقا عليه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) (مالك) (ت) عن أبي هريرة وأبي سعيد (حم ق ن) عن أبي هريرة (م) عن أبي هريرة وأبي سعيد معا - (صح) .

التالي السابق


(سبعة) العدد لا مفهوم له فقد روي الإظلال لذي خصال أخر جمعها الحافظ ابن حجر في أماليه، ثم أفردها بكتاب سماه معرفة الخصال الموصلة إلى الظلال، ثم ألف في ذلك بعده السخاوي والمؤلف، ومجموعها نحو تسعين خصلة، وسبعة: مبتدأ خبره (يظلهم الله في ظله) ؛ أي: يدخلهم في ظل رحمته، وإضافة الظل إليه تعالى إضافة تشريف كناية عن رحمة الله وهو سبحانه منزه عن الظل إذ هو من خواص الأجسام (يوم لا ظل إلا ظله) لا رحمة إلا رحمته، وهو يوم القيامة؛ أحدهم (إمام) سلطان (عادل) تابع لأوامر ربه أو جامع للكمالات الثلاث: الحكمة والشجاعة والعفة، التي هي أوساط القوى الثلاثة العقلية والغضبية والشهوية، وقدمه لعموم نفعه وتعديه (و) الثاني من السبعة (شاب) خصه لكونه مظنة غلبة الشهوة وقوة الباعث على متابعة الهوى، وملازمة العبادة مع ذلك أشق وأدل على غلبة التقوى (نشأ في عبادة الله) والثالث (رجل قلبه معلق) في رواية: متعلق (بالمسجد) في رواية: بالمساجد، وفي أخرى: في المساجد، وحروف الجر ينوب بعضها عن بعض زاد سلمان: "من حبها"، أشار إلى طول الملازمة بقلبه وإن كان بدنه خارجا فشبه بالشيء المعلق في المسجد كالقنديل (إذا خرج منه حتى يعود إليه) كنى به عن التردد إليه في جميع أوقات الصلاة، فلا يصلي صلاة إلا في المسجد، ولا يخرج منه إلا وهو ينتظر أخرى ليعود فيصليها فيه، فهو ملازم للمسجد بقلبه، فليس المراد دوام الجلوس فيه، (و) الرابع (رجلان تحابا) بتشديد الموحدة، وأصله تحاببا؛ أي: أحب كل منهما صاحبه (في الله) ؛ أي: في طلب رضا الله، أو لأجله لا لغرض دنيوي (فاجتمعا على ذلك) ؛ أي: على الحب المذكور بقلوبهما (وافترقا عليه) ؛ أي: استمرا على محبتهما لأجله تعالى حتى فرق بينهما الموت، ولم يقطع تحابهما عارض دنيوي، أو المراد يحفظان الحب فيه في [ ص: 89 ] الحضور والغيبة، وعدت هذه الخصلة واحدة مع أن متعاطيها اثنان؛ لأن المحبة لا تتم إلا منهما (و) الخامس (رجل ذكر الله) بلسانه أو قلبه حال كونه (خاليا) من الناس أو من الالتفات لما سوى الله المذكور، وإن كان في ملأ (ففاضت) سالت (عيناه) ؛ أي: الدموع من عينيه، فهو مجاز، كجري الميزاب، زاد البيهقي : من خشية الله؛ وبكاؤه يكون عن خوف أو شوق أو محبة لله (و) السادس (رجل دعته) ؛ أي: طلبته (امرأة) إلى الزنا بها، هذا هو الأظهر لا ما قيل: للنكاح فخاف العجز عن حقها، أو الشغل عن العبادة بالكسب لها (ذات منصب) بكسر الصاد؛ أي: أصل أو شرف أو حسب أو مال (وجمال) ؛ أي: مزيد حسن (فقال) بلسانه زاجرا عن الفاحشة، ويحتمل قلبه زجرا لنفسه، ولا مانع من الجمع (إني أخاف الله رب العالمين) وخص ذات المنصب والجمال؛ لأن الرغبة فيها أشد، فالصبر عنها مع طلبها له أشق (و) السابع (رجل تصدق بصدقة) ؛ أي: تطوع؛ لأن الزكاة يسن إظهارها (فأخفاها) ؛ أي: كتمها عن الناس (حتى لا تعلم) بالرفع نحو: مرض فلان حتى لا يرجونه، وبالنصب نحو: سرت حتى لا تغيب الشمس (شماله) ؛ أي: من بشماله (ما تنفق يمينه) ذكره مبالغة في الإخفاء، بحيث لو كان شماله رجلا ما علمها، فهو من مجاز التنبيه، وذكر الرجل فيما عدا الأول والثالث وصف طردي، فالمرأة والخنثى مثله، فالمراد سبعة أشخاص، وتخصيص السبعة؛ لأن الطاعة تكون بين العبد وبين الله، وبينه وبين الخلق، والأول إما أن يكون باللسان أو بالقلب أو بجميع البدن، والثاني إما أن يكون عاما وهو العدل، أو خاصا وهو إما من جهة النفس وهو التحاب، أو من جهة البدن [تنبيه] قال القونوي: إن للإنسان يمينا ويسارا ظاهرين، وهي يدا صورته، وله يمين ويسار باطنان، وهما روحانيته وطبيعيته، وقد اعتبر الشرع ذلك، وإليه الإشارة بآية والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه إذا تقرر هذا فسر الحديث أن يكون الباعث له على الصدقة باعثا روحانيا ربانيا خاليا عن أحكام طبيعته جملة واحدة، وهذا صعب جدا؛ لأن الإنسان مجموع من الصفات الروحانية والصفات الطبيعية، والممازجة بينهما واقعة فمن قويت روحانيته حتى استهلكت قواه وصفاته الطبيعية في روحانيته بحيث تتمكن من التصرف، روحه تصرفا لا دخل لطبيعته فيه كان في غاية القوة والشدة، بل يرجح على كثير من الملائكة؛ لأن خلق أفعال الملك من الصفات الطبيعية فلا يستغرب ولا يستعظم لفقد المنازع له، وأما هنا فالنزاع واقع وسلطان الطبيعة قوي جدا، فلا تغلب سلطنة الروح وصفاته المضافة إلى عين الإنسان المعنوي على سلطان مزاجه الطبيعي الذي له جهة الشمال بحيث يخلص جميع أفعاله الروحانية عن شوب طبيعته وأحكامها مع بقاء الارتباط والامتزاج الواقع بين الصفات الروحانية والطبيعية إلا بتأييد رباني وشدة عظيمة

(مالك) في الموطأ (ت) في الزكاة وغيرها (عن أبي هريرة ، أو أبي سعيد) الخدري (حم ق ن عن أبي هريرة ، م عن أبي هريرة ، وأبي سعيد معا)



الخدمات العلمية