الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
4651 - (سبق المفردون المستهترون في ذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون يوم القيامة خفافا) (ت ك) عن أبي هريرة (طب) عن أبي الدرداء - (صح) .

التالي السابق


(سبق المفردون) ؛ أي: المنفردون المعتزلون عن الناس، من: فرد إذا اعتزل وتخلى للعبادة، فكأنه أفرد نفسه بالتبتل إلى الله؛ أي: سبقوا بنيل الزلفى والعروج إلى الدرجات العلى، روي بتشديد الراء وتخفيفها، قال النووي في الأذكار: والمشهور الذي قاله الجمهور التشديد قالوا: وما المفردون يا رسول الله، قال: هم (المستهترون) وفي رواية "المشمرون" (في ذكر الله) وعلى الأولى فالمراد الذين أولعوا به، يقال أهتر فلان بكذا واستهتر؛ أي: مولع به لا يتحدث [ ص: 93 ] بغيره، ولا يفعل سواه، ذكره جمع، وقال الحكيم الترمذي : المستهتر هو الذي نطق عن ربه لشبه كلامه كلام من لم يستعمله عقله؛ لأن العقل يخرج الكلام على اللسان بتدبر وتؤدة، وهذا المهتر إنما نطقه كالماء يجري على لسانه حتى يشبه الهذيان في بعض الأحيان عند العامة، وهو في الباطن مع الله من أصفياء الناطقين وأطهرهم وأصدقهم، إلى هنا كلامه، قال البيضاوي: ولما قالوا: وما المفردون، ولم يقولوا من هم؛ لأنهم أرادوا تفسير اللفظ وبيان ما هو المراد منه لا تعيين المتصفين به وتعريف أشخاصهم، فعدل في الجواب عن بيان اللفظ إلى حقيقة ما يقتضيه توقيفا للسائل بالبيان المعنوي على المعنى اللغوي إيجازا، فاكتفى فيه بالإشارة المعنوية إلى ما استبهم عليه من الكناية اللفظية (يضع الذكر عنهم أثقالهم) ؛ أي: يذهب الذكر أوزارهم؛ أي: ذنوبهم التي أثقلتهم (فيأتون يوم القيامة خفافا) فيسبقون بنيل الزلفى والعروج إلى الدرجات العلى؛ لأنهم جعلوا أنفسهم أفرادا ممتازة بذكر الله عمن لم يذكر الله، أو جعلوا ربهم فردا بالذكر، وترك ذكر ما سواه، وهو حقيقة التفريد هنا، وقال الحكيم: المفرد هنا من أفرد قلبه للواحد في وحدانيته ولازم الباب حتى رفع له الحجاب، وأوصله إلى قربه، فكأنه بين يدي ربه، فبه يفخر ويصول، وبه يفرح ويمرح ويجول، فسكنت منه الأهوال من النظر إلى الجلال والجمال، فقدمه إلى الوسيلة العظمى والجزاء الأوفى فغرق قلبه في وحدانيته فصار منفردا مشغولا به عن جميع صفاته، فهو أحد أعلامه في أرضه، وواحده بين عبيده

(ت ك) في الدعوات (عن أبي هريرة ) ورواه عنه أيضا مسلم بلفظ (كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان، فقال: سيروا، هذا جمدان، سبق المفردون، قالوا: وما المفردون قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات (طب عن أبي الدرداء ) قال الحاكم : على شرطهما، وأقره الذهبي ، وقال الهيثمي : رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيف



الخدمات العلمية