الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا ومات المستودع ، فلا يخلو حال الوديعة من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن تكون موجودة بعينها أو غير موجودة ، فإن كانت موجودة وعينها باقية لزم الوارث تسليمها إلى مالكها وذلك بأحد ثلاثة أمور : إما بوصية الميت ، وإما بإقرار الوارث ، وإما ببينة يضمها المودع ، فإن لم تكن بينة ولا وصية وأنكر الوارث وادعاها ملكا فالقول فيها قوله مع يمينه ، هذا إذا كانت الوديعة موجودة بعينها ، فأما إذا لم توجد الوديعة بعينها فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يعلم تلفها بغير تفريط إما بوصية الميت أو ببينة تشهد بذلك ، فلا ضمان في تركة الميت ، فإن أكذب المالك الميت في وصيته بتلفها فله إحلاف الورثة ثم هم براء .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يعلم أنها تلفت بتفريطه وتعديه إما بوصية أو ببينة تشهد له بذلك ، فهي مضمونة في ماله ويحاص المالك بها جميع الغرماء .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يجهل حالها فقد قال الشافعي : ويحاص رب الوديعة الغرماء ، فاختلف أصحابنا في ذلك على أربعة مذاهب :

                                                                                                                                            أحدها وهو ظاهر كلام الشافعي : أنها مضمونة في تركة الميت وهو قول أبي حنيفة ؛ لأن الظاهر من ثبوت يده عليها أنها تلفت بفعله .

                                                                                                                                            والمذهب الثاني : أنها غير مضمونة في تركته وهو قول ابن أبي ليلى ؛ لأن الأصل بقاؤه على أمانته .

                                                                                                                                            والمذهب الثالث : أنه إن وجد في تركته من جنسها كانت مضمونة فيها ، وإن لم يوجد من جنسها شيء في تركته لم يضمن ، وهذا قول أبي حامد المروزي ؛ لأن الظاهر من وجود جنسها أنها فيه أو منه .

                                                                                                                                            والمذهب الرابع : أنه إن ذكر في وصيته عند موته أن عنده وديعة كانت مضمونة في تركته وإن لم يذكر ذلك لم يضمن ؛ لأنه لا يوصي بالوديعة إلا وهي عنده أو عليه ، ثم إذا صارت على ما ذكرنا من هذه الوجوه مضمونة في تركته ، فإن لم يكن في التركة من جنسها شيء حاص رب الوديعة بها جميع الغرماء ، وإن كان في التركة شيء من جنسها فيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يتقدم بها على الغرماء اعتبارا بالظاهر من الجنس أنه منها .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يكون أسوتهم ولا يتقدم عليهم اعتبارا باليقين في الاشتراك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية