الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - فيما يروى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله : ما حق امرئ مسلم : " يحتمل ما الحزم لامرئ مسلم يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ، ويحتمل ما المعروف في الأخلاق إلا هذا لا من جهة الفرض ( قال ) ، فإذا أوصى الرجل بمثل نصيب ابنه ولا ابن له غيره فله النصف ، فإن لم يجز الابن فله الثلث " .

                                                                                                                                            [ ص: 197 ] قال الماوردي : وهذا كما قال إذا كان للموصي ابن واحد ، فوصى لرجل بمثل نصيب ابنه كانت وصيته بالنصف ، وهو قول أبي حنيفة وصاحبيه ، فإن أجازها الابن وإلا ردت إلى الثلث .

                                                                                                                                            وقال مالك : وهي وصية بجميع المال . وهو قول زفر من الهذليين وداود بن علي استدلالا بأن نصيب ابنه إذا لم يكن له غيره ، أخذ جميع المال فاقتضى أن تكون الوصية بمثل نصيبه وصية بجميع المال ، ولأنه لما كان لو أوصى له بمثل ما كان نصيب ابنه كان وصية بجميع ماله إجماعا ، وجب لو أوصى له بمثل نصيب ابنه أن يكون وصية بجميع المال حجاجا .

                                                                                                                                            وهذا فاسد من ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أن نصيب الابن أصل ، والوصية بمثله فرع ، فلم يجز أن يكون الفرع رافعا لحكم الأصل .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لو جعلنا الوصية بجميع المال لخرج أن يكون للابن نصيب ، وإذا لم يكن للابن بطلت الوصية التي هي بمثله .

                                                                                                                                            والثالث : أن الوصية بمثل نصيب الابن ، فوجب التسوية بين الموصى له وبين ابنه ، فإذا وجب ذلك كانا فيه نصفين وفي إعطائه الكل إبطال للتسوية بين الموصى له وبين الابن .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن قولهم : إن نصيب الابن كل المال ، فهو أن له الكل مع عدم الوصية ، وأما مع الوصية فلا يستحق الكل .

                                                                                                                                            وأما قوله : وصيت لك بمثل ما كان نصيب ابني ، فيكون وصية بالكل .

                                                                                                                                            والفرق بينهما : أنه إذا قال بمثل نصيب ابني ، فقد جعل له مع الوصية نصيبا ، فكذلك كانت وصيته بالنصف نصيبا ، وإذا قال : بمثل ما كان نصيب ابني ، فلم يجعل مع الوصية نصيبا ، فكذلك كانت بالكل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية