الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فأما آل محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين جعل لهم الخمس عوضا من الصدقة ، فلا يعطون من الصدقات المفروضات وإن كانوا محتاجين وغارمين وهم أهل الشعب وهم صلبية بني هاشم وبني المطلب ولا تحرم عليهم صدقة التطوع ، وروي عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ، فقلت له أتشرب من الصدقة ؟ فقال : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة وقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية من صدقة تصدق بها على بريرة ، وذلك أنها من بريرة تطوع لا صدقة " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملته أن الناس في صدقتي الفرض والتطوع ينقسمون ثلاثة أقسام : منهم من تحرم عليه صدقة الفرض والتطوع ، ومنهم من تحل له الصدقتان جميعا ، ومنهم من تحرم عليه صدقة الفرض دون التطوع .

                                                                                                                                            فأما من تحرم عليه صدقة الفرض والتطوع فهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما رفع الله تعالى من قدره وفضله على جميع خلقه .

                                                                                                                                            روى أبو رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنا لا تحل لنا الصدقة .

                                                                                                                                            وروى أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجد تمرة وقال : لولا أخاف أن تكون صدقة لأكلتها .

                                                                                                                                            وروي أن سلمان الفارسي حمل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - طبقا من رطب فقال : ما هذا ؟ قال : صدقة ، قال : " إنا لا تحل لنا الصدقة " . فحمل إليه طبقا آخر فقال : " ما هذا " ؟ قال : هدية . قال : " إنا نقبل الهدية ونكافئ عليها .

                                                                                                                                            [ ص: 539 ] وإذا ثبت هذا فقد كان يمتنع من صدقة الفرض تحريما وفي امتناعه من صدقة التطوع قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه كان يمتنع منها تحريما كالفرض ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل من لحم تصدق به على بريرة وقال : هو لها صدقة ولنا هدية . وصدقات اللحوم بالمدينة كانت من ضحايا تطوع غير واجبة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنه كان يمتنع منها تنزيها لا تحريما : لأنه قد كان يصلي في المساجد وهي صدقات ويشرب من بئر رومة بالمدينة وبئر زمزم بمكة وهما صدقتان .

                                                                                                                                            وقال أبو علي بن أبي هريرة : ما كان من صدقات التطوع على الأعيان كانت محرمة عليه ، وما كان منها مسألة على الكافة لم تحرم عليه مثل صلاته في المساجد وشربه من الآبار .

                                                                                                                                            والذي أراه عندي أصح أن ما كان منها أموالا مقومة كانت عليه محرمة وما لم تكن أموالا مقومة كانت له مباحة ؛ فعلى هذا كانت صلاته في المساجد وشربه من بئر رومة وزمزم ، ولو كانت الصدقة المسيلة ثمارا لا تحل له ، وعلى قول ابن أبي هريرة تحل له .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية