الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أن خروج البول منهما يقتضي أن يكون مشكلا فقد اختلف الفقهاء في ميراثه ، فمذهب الشافعي أنه يعطي الخنثى أقل نصيبه من ميراث ذكر أو أنثى ، وتعطي الورثة المشاركون له أقل ما يصيبهم من ذكر أو أنثى ، ويوقف الباقي حتى يتبين أمره ، وبه قال داود وأبو ثور ، وقال أبو حنيفة : أعطيه أقل ما يصيبه من ميراث ذكر أو أنثى ، وأقسم الباقي بين الورثة ، ولا أوقف شيئا ، وسئل مالك عن الخنثى فقال لا أعرفه إما ذكرا أو أنثى ، وروي عنه [ ص: 169 ] أنه جعله ذكرا ، وروي عنه أنه أعطاه نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ، وهذا قول ابن عباس والشعبي وابن أبي ليلى والأخير من قول أبي يوسف .

                                                                                                                                            فإن ترك خنثيين : قال أبو يوسف إن لهما حالين : حالا يكونان ذكرين وحالا يكونان أنثيين ، وأعطيه نصف الأمرين ، وهكذا يقول في الثلاثة وما زادوا ، وقال محمد بن الحسن : أنزل الخنثيين أربعة أحوال : ذكرين وأنثيين والأكبر ذكرا والأصغر أنثى ، أو الأكبر أنثى والأصغر ذكرا ، وأنزل الثلاثة ثمانية أحوال والأربعة ستة عشر حالا ، والخمسة اثنين وثلاثين حالا .

                                                                                                                                            وما قاله الشافعي من دفع الأقل إليه ودفع الأقل إلى شركائه ، وإيقاف المشكوك فيه أولى لأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن الميراث لا يستحق إلا بالتعيين دون الشك وما قاله الشافعي يعين ، وما قاله غيره شك .

                                                                                                                                            والثاني : أنه لما كان سائر أحكامه سوى الميراث لا يعمل فيها إلا على اليقين ، فكذلك الميراث ، فعلى هذا لو ترك الميت ابنا وولدا خنثى ، فعلى قول الشافعي للابن النصف إن كان خنثى رجلا ، وللخنثى الثلث كأنه أنثى ويوقفوا السدس ، فإن بان ذكرا رد على الخنثى ، وإن بان أنثى رد على الابن ، وعلى مذهب أبي حنيفة يكون للخنثى الثلث والباقي للابن ولا يوقف شيء ، وعلى قول أبي يوسف ومحمد ومن قال بتنزيل الأحوال لو كان الخنثى ذكرا كان له النصف ، ولو كان أنثى كان له الثلث ، فصار له في الحالين خمسة أسداس ، فكان له في إحداهما أنثى سدسان ونصف وللابن لو كان الخنثى أنثى الثلثان ، ولو كان ذكرا النصف ، فصار له في الحالين سبعة أسداس ، فكان له في إحداهما نصف ونصف سدس فيقسم بينهما من اثني عشر للابن سبعة وللخنثى خمسة .

                                                                                                                                            ولو ترك بنتا وترك ولدا خنثى وعما ، فعلى مذهب الشافعي للبنت الثلث وللخنثى الثلث : لأنه أقل والثلث الباقي موقوف لا يدفع إلى العم ، فإن بان الخنثى ذكرا رد عليه ، وإن بان أنثى دفع إلى العم .

                                                                                                                                            وعلى قول أبي حنيفة يدفع الثلث الباقي إلى العم ، ولا يوقف .

                                                                                                                                            وعلى قول من نزل حالين قال للبنت الثلث في الحالين فيدفع إليها ، وللخنثى السدس إن كان ذكرا الثلثان ، وإن كان أنثى الثلث ، فصار له في الحالتين الكل ، وكان له في أحدهما النصف فيأخذه ، وللعم إن كان الخنثى أنثى الثلث ، وليس له إن كان ذكرا شيء ، فصار له في الحالين الثلث ، فكان له في إحداهما السدس ، ويقسم من ستة للبنت سهمان وللخنثى ثلاثة أسهم وللعم سهم ، ولو ترك ابنا وبنتا وخنثى ، فعلى مذهب الشافعي هو من عشرين سهما : لأن الخنثى إن كان ذكرا فهو من خمسة ، وإن كان أنثى فمن أربعة ، فصار مجموع الفريضتين من عشرين ، وهو مضروب خمسة في أربعة للابن الخمسان ثمانية أسهم ، [ ص: 170 ] وللبنت الخمس أربعة أسهم ، وللخنثى الربع خمسة أسهم ويوقف ثلاثة أسهم ، فإن بان الخنثى رد عليه ، فصار له ثمانية أسهم كالابن ، وإن كان أنثى رد منها على الابن سهمان ، وعلى البنت سهم .

                                                                                                                                            وعلى قول أبي حنيفة هي من أربعة أسهم للابن سهمان وللبنت سهم وللخنثى سهم ولا يوقف شيء .

                                                                                                                                            وعلى قول من نزل حالين يقول هي من عشرين للابن إن كان الخنثى ذكرا ثمانية ، وإن كان أنثى عشرة ، فصار له في الحالين ثمانية عشر سهما فكان له في إحداهما تسعة أسهم وللبنت إن كان الخنثى ذكرا أربعة ، وإن كان أنثى خمسة ، فصار له في الحالين تسعة ، فكان له في إحداهما أربعة ونصف وللخنثى إن كان ذكرا ثمانية ، وإن كان أنثى خمسة ، فصار له في الحالين ثلاثة عشر ، فكان له في إحداهما ستة ونصف وتصح من أربعين لنزول الكسر ، فلو ترك ولدا خنثى وولد ابن خنثى وعما ، فعلى مذهب الشافعي للولد النصف ويوقف السدس بين الابن وابن الابن والخنثيين : لأنه لأحدهما ويوقف الثلث بين العم والخنثيين .

                                                                                                                                            وعلى قول أبي حنيفة للولد النصف ولولد الابن السدس ، والباقي للعم .

                                                                                                                                            وعلى قول من نزل حالين يقول إن كانا ذكرين فالمال للولد ، وإن كانا أنثيين فللولد النصف ولولد الابن السدس ، والباقي للعم ، فيأخذ الولد نصف الحالين وهو ثلاثة أرباع المال ، ويأخذ ولد الابن نصف الحالين وهو نصف السدس ، ويأخذ العم نصف الحالين وهو السدس .

                                                                                                                                            وعلى قول من ينزل بجميع الأحوال ينزلها أربعة أحوال فيقول : إن كانا ذكرين فالمال للولد ، وإن كانا اثنتين فللولد النصف ولولد الابن السدس ، والباقي للعم ، وإن كان الولد ذكرا وولد الابن أنثى ، فالمال للولد ، وإن كان الولد أنثى وولد الابن ذكرا فللولد النصف ، والباقي لولد الابن ، فصار للولد في الأربعة الأحوال ثلاثة أموال ، فكان له في كل حالة ربعها وذلك ثلاثة أرباع مال ، ولولد الابن في الأربعة الأحوال ثلث المال ، فكان له في حالة واحدة ربع ذلك وهو نصف السدس ، ثم على قياس هذا ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية