الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن مات قبل أن يقبل أو يرد قام ورثته مقامه ، فإن قبلوا فإنما ملكوا أمة لأبيهم وأولاد أبيهم الذين ولدت بعد موت سيدها أحرار وأمهم مملوكة ، وإن ردوا كانوا مماليك وكرهت ما فعلوا ( قال المزني ) : لو مات أبوهم قبل الملك لم يجز أن يملكوا عنه ما لم يملك ، ومن قوله أهل شوال ، ثم قبل كانت الزكاة عليه وفي ذلك دليل على أن الملك متقدم ، ولولا ذلك ما كان عليه زكاة ما لا يملك " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : هذا صحيح ، وجملته : أن موت الموصي لا يخلو أن يكون في حياة الموصى له أو بعد موته ، فإن مات الموصى له في حياة الموصي ، فالذي عليه جمهور الفقهاء أن الوصية له قد بطلت وليس لوارثه قبولها بعد موت الموصي .

                                                                                                                                            وحكي عن الحسن البصري أن الوصية لا تبطل بموته ولورثته قبولها .

                                                                                                                                            وهذا فاسد من وجهين : أن الوصية في غير حياة الموصي غير لازمة ، وما ليس بلازم من العقود يبطل بالموت ولأن الوصية له لا لورثته ، وهو لا يملك الوصية في حياة الموصي .

                                                                                                                                            وإن مات الموصى له بعد موت الموصي ، لم يخل حال الموصى له قبل موته من ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون قد رد الوصية قبل موته فقد بطلت برده ، وليس لوارثه قبولها بعد موته إجماعا .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكون قد قبلها قبل موته وبعد موت الموصي فقد ملكها ، أو انتقلت بموته إلى وارثه .

                                                                                                                                            وسواء قبضها الموصى له في حياته أم لا ؛ لأن القبض ليس بشرط في تملك الوصية .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يموت قبل قبوله ورده .

                                                                                                                                            فعلى مذهب الشافعي : يقوم وارثه مقامه في القبول والرد ولا تبطل الوصية بموته قبل القبول .

                                                                                                                                            [ ص: 258 ] وقال أبو حنيفة : إذا مات قبل القبول ، بطلت الوصية له كالهبة ، وهذا فاسد ؛ لأن ما استحقه في التركة لم يسقط بالموت كالدين ، ولأن كل سبب استحق به تملك عين بغير اختيار مالكها لم يبطل بموته ، قبل تملكها كالرد بالعيب . وفارقت الوصية الهبة من حيث أن الهبة قبل القبض غير لازمة ، فجاز أن تبطل بالموت والوصية قبل القبول لازمة ، فلم تبطل بالموت .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية