الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفنا فالأمور المخوفة ضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : ما دخل في الحسن وماس البدن كالأمراض فهي مخوفة إذا كان عليها التوحية .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ما فارق الجسم واختص بحاله كالأسير والملتحم في القتال ، فإن ترددت حاله بين خوف ورجاء فغير مخوف ، وإن كان الخوف أغلب على ما ذكرنا من القولين ، فمن ذلك أن يقترضه الأسد فلا يجد محيصا ، فإن كانوا جماعة لم تكن حالهم مخوفة ؛ لأن الأسد لا يفترس في الحال إلا أحدهم ، فلم يكن الأغلب من حال كل واحد التلف وإن جاز أن يكون الهالك .

                                                                                                                                            [ ص: 326 ] وإن كان واحدا فإن باشره الأسد بالأخذ فحاله مخوفة ، فأما قبل المباشرة فعلى ما ذكرنا من القولين .

                                                                                                                                            ومن ذلك من غشيه سيل أو غشيته نار ، فإن وجد منهما نجاة فحاله غير مخوفة ، وإن لم يجد منها نجاة ، فإن أدركه السيل ولحقته النار ، فحاله مخوفة لأجل المحاسة .

                                                                                                                                            وفيما قبل إدراك السيل ولفح النار قولان : وكذلك من طوقته أفعى ، فإن نهشته فمخوفة وقبل نهشته على قولين ، إلا أن تكون من حيات الماء التي قد يقتل سمها وقيل لا يقتل ، فلا تكون مخوفة قولا واحدا .

                                                                                                                                            ومن ذلك : أن يقيه في مغارة لا يجد فيهما طعاما ولا شرابا ، فإن جوز أن يجد الماء إلى أقصى مدة يتماسك بها رمقه طعاما أو شرابا ، أو ما يمسك رمقه من حشيش أو ميتة إما بالوصول إلى عمارة ، أو بالحصول على جارة ، أو بأن يدركه سائر فحاله غير مخوفة لترددها بين الأمرين :

                                                                                                                                            وإن يئس من ذلك كله واشتد جوعه وعطشه فعلى قولين .

                                                                                                                                            وكذلك راكب البحر ، فإن كانت الريح ساكنة والأمواج هادئة فهو غير مخوف ، وهكذا لو اشتدت بهم ريح معهودة وأمواج مألوفة فغير مخوفة وإن عصفت بهم الريح وتلاطمت بهم الأمواج حتى خرجوا عن معهود السلامة ، فإن كسر بهم المركب حتى صاروا على الماء فمخوف ؛ لأن الأغلب منه سرعة الهلكة ، فأما قبل حمولهم على الماء فعلى قولين ، ومن ذلك من وجب عليه الرجم في الزنا ، أو القتل في الحرابة ، فإن كانت بإقراره فحاله في مخوفة ؛ لأنه لو رجع عن إقراره لم يرجم ولم يتحتم قتل الحرابة عليه وصار إلى أخيار ولي الدم ، وإن كان بمشاهدة الإمام له فمخوف ؛ لأنه لا سبيل إلى سلامته ، وإن كان بنية عادلة قامت عليه قد يجوز في النادر رجوعها فعلى قولين ؛ لأن الغالب تمام الشهادة ووجوب القتل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية