الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإن رد الورثة الوصايا بكل المال رجعت إلى الثلث ، وكان الثلث مقسوما بينهم بالحصص على ثلاثة عشر سهما ، كما اقتسموا كل المال مع الإجازة .

                                                                                                                                            فيكون لصاحب النصف ستة أسهم ، ولصاحب الثلث أربعة أسهم ، ولصاحب الربع ثلاثة أسهم . وبه قال الشافعي ، ومالك ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأحمد ، وإسحاق .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : أرد من وصية صاحب النصف ما زاد على الثلث ليستوي في الوصية صاحب الثلث وصاحب النصف ، ويكون الثلث مقسوما بينهم على أحد عشر سهما ؛ لصاحب النصف أربعة ، ولصاحب الثلث أربعة ، ولصاحب الربع ثلاثة ، استدلالا بأمرين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لا يملك الزيادة على الثلث ، لاستحقاق الورثة لها ، فيبطل حكمها وصار كمن وصى بماله ومال غيره ، تمضي الوصية في ماله ، وترد في مال غيره .

                                                                                                                                            والثاني : أن الزيادة على الثلث تضمنت تقديرا وتفضيلا ، فلما بطل التقدير بطل التفصيل .

                                                                                                                                            وتحريره : أنه أحد مقصودي الزيادة ، فوجب أن يبطل كالتقدير .

                                                                                                                                            ودليلنا هو أنه لما قصد تفضيلهم في كل المال ، قصد تفضيلهم في كل جزء منه قياسا على الغرماء ، ولأنهم تفاضلوا في الوصية ، فوجب أن يتفاضلوا في العطية قياسا على صاحب الثلث والربع ، ولأنهم يأخذون المال على التفاضل عند الكمال ، فوجب أن يأخذوه على التفاضل عند العجز قياسا على صاحب الثلث والربع ، ولأن كل شخصين جعل المال بينهما على التفاضل لزم عند ضيق المال أن يتقاسماه على التفاضل كالعول في الفرائض ، ولأنه لو كانت الوصية بالنصف والثلث مالا والرد مقدر كمن أوصى لزيد بألف درهم [ ص: 208 ] هي ثلث ماله ، ولعمرو بألف وخمسمائة هي نصف ماله ، لتفاضلا مع الإجازة والرد ، فوجب إذا كانت الوصية بالنصف والثلث مطلقا أن يتفاضلا مع الإجازة والرد .

                                                                                                                                            ويتحرر من هذا الاعتلال قياسان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ما تفاضلا فيه مع التقدير يتفاضلان فيه مع الإطلاق كالإجازة .

                                                                                                                                            والثاني : أن ما تفاضلا فيه مع الإجازة تفاضلا فيه مع الرد كالمقدر .

                                                                                                                                            وأما الجواب عن استدلالهم بأن الوصية بما زاد لا يملكها فصارت في حق غيره فهو أن الرد وإن استحق فليس بمستحق في واحد دون غيره ، وسواء على الورثة انصراف الثلث إلى أهل الوصايا على استواء ، أو تفاضل ، فيبطل حقهم فيه ، ويرجع إلى قصد الموصى فيه . وقولهم : إن الزيادة على الثلث قد تضمنت تقديرا وتفضيلا ، فيقال : ليس بطلان أحدهما موجبا لبطلان الآخر ، ألا ترى أن كل النصف بعد الثلث زيادة على الثلث ؟ ولو لزم ما قالوا لبطلت وصية صاحب النصف بأسرها ، فلما لم تبطل بالرد إلى الثلث لم يبطل حكم التفضيل بالرد إلى الثلث ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية