الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكذلك لو أوصى لغازين في سبيل الله فهم الذين من البلد الذي به ماله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح : إذا جعل ثلث ماله مصروفا في الغارمين .

                                                                                                                                            والغارمون ضربان : ضرب استدانوا في المصالح العامة كتحمل للدية " العمد " ، أو غرم مالا في إصلاح ذات البين ، أو تيسير الحج ، أو إصلاح سبيلهم .

                                                                                                                                            فهذا الصنف من الغارمين لا يراعى فقرهم ويجوز أن يعطوا مع الغنى .

                                                                                                                                            [ ص: 272 ] والضرب الثاني : أن يستدينوا في مصالح أنفسهم ، فيراعى فيهم الفقر ولا يجوز أن يعطوا مع الغنى والقدرة .

                                                                                                                                            ثم ينظر فيما استدانوا : فإن كانوا صرفوه في مستحب أو مباح ، أعطوا ، وإن صرفوه في معصية ، فإن لم يتوبوا منها لم يعطوا ، لما في إعطائهم من إعانتهم عليها وإغرائهم بها .

                                                                                                                                            وإن تابوا ففي إعطائهم وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : " لا يعطون " لهذا المعنى .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يعطون لارتفاعها بالتوبة .

                                                                                                                                            وأقل ما يصرف الثلث في ثلاثة فصاعدا في الغارمين ، وأي الصنفين أعطى منهم أجزأ ، ويكون ما يعطيهم بحسب غرمهم ، قال الشافعي : " ويعطي من له الدين عليهم أحب إلي ، ولو أعطوه في دينهم رجوت أن يسع " .

                                                                                                                                            فإن صرفه في اثنين غرم للثالث ، وفيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يضمن ثلث الثلث .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يضمن أقل ما يجزئه أن يعطيه ثالثا ، ويكون ذلك خاصا بغارمي بلد المال ومن كان منهم ذا رحم ، أولى لما في صلتها من زيادة الثواب ، فإن لم يكونوا فجيران المال ، لقوله تعالى : والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب [ النساء : 36 ] ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه .

                                                                                                                                            قال الشافعي : " وأقصى الجوار بينهم أربعون دارا من كل ناحية " ا هـ . هكذا لو أوصى لجيرانه ، كان جيرانه منتهى أربعين دارا من كل ناحية .

                                                                                                                                            وقال قتادة : الجار : الدار والداران .

                                                                                                                                            وقال سعيد بن جبير : الذين يسمعون الإقامة .

                                                                                                                                            وقال أبو يوسف : هم أهل المسجد .

                                                                                                                                            ودليلنا : ما روي أن رجلا كان نازلا بين قوم فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشكوهم ، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر وعمر وعليا - رضي الله عنهم - وقال : اخرجوا إلى باب المسجد وقولوا : ألا إن الجوار أربعون دارا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية