الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإن كانت الوصية بخدمة العبد على التأبيد كأن قال : قد أوصيت لزيد بخدمة عبدي أبدا ، فالوصية جائزة إذا تحملها الثلث .

                                                                                                                                            واختلف أصحابنا في الذي يعتبر قيمته في الثلث على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : قاله في اختلاف العراقيين وهو اختيار ابن سريج أنه تقوم جميع الرقبة في الثلث ، وإن اختصت الوصية بالمنفعة ، كما تقوم رقبة الوقف في الثلث ، وإن ملك الموقوف عليه المنفعة .

                                                                                                                                            فعلى هذا هل يصير الموصى له مالكا الرقبة ، وإن منع من بيعها أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يملكها لاختصاص الوصية بمنافعها .

                                                                                                                                            والثاني : يملكها ، كما يملك أم ولده ، وإن كان ممنوعا من بيعها لتقويمها عليه في الثلث ، وهذا قول أبي حامد المروروذي .

                                                                                                                                            وهذا إذا قيل إن الرقبة هي المقومة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يقوم منافع العبد في الثلث دون رقبته ؛ لأن التقويم إنما يختص بما تضمنته الوصية ، ولا يجوز أن يتجاوز بالتقويم إلى غيره ، ولأنه لو أوصى بالمنفعة إلى رجل [ ص: 222 ] وبالرقبة لغيره ، لم يقوم في حق صاحب المنفعة إلا المنفعة دون الرقبة ، كذلك إذا استبقى الرقبة على ملك الورثة .

                                                                                                                                            واعتبار ذلك أن يقال : كم قيمة العبد بمنافعه ؟ فإذا قيل مائة دينار . قيل : وكم قيمته مسلوب المنافع ؟ فإذا قيل : عشرون دينارا . علم أن قيمة منافعه ثمانون دينارا ، فتكون هي القدر المعتبر من الثلث .

                                                                                                                                            فعلى هذا هل يحتسب الباقي من قيمة الرقبة وهو عشرون دينارا على الورثة أم لا ؟

                                                                                                                                            على وجهين : أحدهما يحتسب به عليهم ؛ لأنه قد دخل في ملكهم ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يحتسب به عليهم ؛ لأن ما زالت عنه المنفعة زال عنه التقويم .

                                                                                                                                            فإذا ثبت ما ذكرناه ، وخرج القدر الذي اعتبرناه من الثلث ، صحت الوصية بجميع المنفعة ، وكان للموصى له استخدامه أبدا ما دام حيا ، وأخذ جميع أكسابه المألوفة .

                                                                                                                                            وهل يملك ما كان غير مألوف منها كاللقطة ؟ على وجهين أصحهما يملكه .

                                                                                                                                            وفي نفقته ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها وهو قول أبي سعيد الإصطخري : أنها على الموصى له بالمنفعة ؛ لأن المنفعة تختص بالكسب .

                                                                                                                                            والثاني : وقول أبي علي بن أبي هريرة : أنها على الورثة لوجوبها بحق الملك .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : حكاه أبو حامد الإسفراييني : تجب في بيت المال ؛ لأن كل واحد من مالكي الرقبة والمنفعة .

                                                                                                                                            ولم يكمل فيه استحقاق وجوبها عليه ، فعدل بها إلى بيت المال ، فإذا مات الموصى له ، فهل تنتقل المنفعة إلى وارثه أم لا ؟

                                                                                                                                            على وجهين حكاهما أبو علي الطبري في إفصاحه :

                                                                                                                                            أحدهما : أن المنفعة تنتقل إلى ورثته لتقومها على الأبد في حقه . فعلى هذا تكون المنفعة مقدرة بحياة العبد .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : قد انقطعت الوصية بموت الموصى له ؛ لأنه وصي له في عينه بالخدمة لا لغيره .

                                                                                                                                            فعلى هذا تكون المنفعة مقدرة بحياة الموصى له ، ثم تعود بعد موته إلى ورثة الموصي .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية