الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الوصية لمسجد أو رباط أو قنطرة فجائزة ، وتصرف في عمارته : لأنه لما انتفى الملك عن هذا كله توجهت الوصية إلى مصالحهم .

                                                                                                                                            وأما الوصية للبيع والكنائس فباطلة : لأنها مجمع معاصيهم ، وكذلك الوصية بكتب التوراة والإنجيل ، لتبديلها وتغييرها ، وسواء كان الموصي مسلما أو كافرا ، وأجازها أبو حنيفة من الكافر دون المسلم ، كما أجاز وصيته بالخمر والخنزير .

                                                                                                                                            وهذا فاسد لقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم [ المائدة : 49 ] .

                                                                                                                                            وأما الفصل الثالث : في الموصى به .

                                                                                                                                            فهو كل ما جاز الانتفاع به من مال ومنفعة ، جازت الوصية به ، وسواء كان المال عينا أو دينا حاضرا ، أو غائبا معلوما أو مجهولا مشاعا أو مفرزا .

                                                                                                                                            ولا تجوز الوصية بما لا يجوز الانتفاع به من عين أو منفعة ، كالخمر والخنزير والكلب غير المعلم .

                                                                                                                                            وهو مقدر بالثلث ، وليس للموصي الزيادة عليه : لقوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد : الثلث ، والثلث كثير .

                                                                                                                                            وأولى الأمرين به أن يعتبر حال ورثته ، فإن كانوا فقراء ، كان النقصان من الثلث أولى من استيعاب الثلث .

                                                                                                                                            وقد روي عن علي - عليه السلام - أنه قال : " لأن أوصي بالسدس أحب إلي من أن أوصي بالربع ، والربع أحب إلي من الثلث " .

                                                                                                                                            وإن كان ورثته أغنياء وكان في ماله سعة ، فاستيفاء الثلث أولى به .

                                                                                                                                            وقد روي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : " الثلث وسط ، لا بخس فيه ولا شطط " .

                                                                                                                                            ولو استوعب الثلث من قليل المال وكثيره مع فقر الورثة ، وغناهم ، وصغرهم ، وكبرهم ، كانت وصية ممضاة به .

                                                                                                                                            وأما الزيادة على الثلث فهو ممنوع منها في قليل المال وكثيره : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منعسعدا من الزيادة عليه وقال : الثلث ، والثلث كثير .

                                                                                                                                            فإن وصى بأكثر من الثلث أو بجميع ماله ، نظر : [ ص: 195 ] فإن كان له وارث ، كانت الوصية موقوفة على إجازته ورده ، فإن ردها رجعت الوصية إلى الثلث ، وإن أجازها صحت ، ثم فيها قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن إجازة الورثة ابتداء عطية منهم ، لا تتم إلا بالقبض ، وله الرجوع فيها ما لم يقبض ، وإن مات قبل القبض بطلت كالهبة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : إجازة الورثة إمضاء لفعل الموصي ، فلا تفتقر إلى قبض ، وتتم بإجازة الوارث ، وقبول الموصى له ، ليس الرجوع بعد الإجازة ، ولا تبطل الوصية بموته بعد إجازته وقبل إقباضه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية