الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومن غزا ممن له عذر أو حدث له بعد الخروج عذر كان عليه الرجوع ما لم يلتق الزحفان ، أو يكون في موضع يخاف إن رجع أن يتلف " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا غزا أصحاب الأعذار وكانوا من أهل الجهاد ، فحدثت لهم أعذار وأرادوا الرجوع فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون ذلك قبل التقاء الزحفين .

                                                                                                                                            والثاني : بعده ، فإن كان قبل التقاء الزحفين فلا يخلو حاله من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يقدر على الرجوع من الطريق ، ولا يقدر على التوجه لشدة زمانته ، أو تزايد مرضه ، أو ذهاب نفقته ، أو تلف مركوبه : فيؤمر بالرجوع ويمنع من التوجه .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يقدر على التوجه ولا يقدر على الرجوع بخوف الطريق على نفسه أو ماله من عدو ، أو حدث : فيؤمر بالتوجه ويمنع من الرجوع .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يقدر على الأمرين من التوجه والرجوع فله حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يكون متطوعا بالغزو .

                                                                                                                                            والثانية : أن يكون مستجعلا عليه من السلطان ، فان كان متطوعا فلا يخلو عذره من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن يكون عذره في حق نفسه .

                                                                                                                                            أو يكون في حق غيره .

                                                                                                                                            فإن كان عذره في حق نفسه كالزمانة ، وذهاب النفقة : فهو بالخيار بين التوجه والرجوع ، وليس للسلطان أن يعارضه في واحد منهما .

                                                                                                                                            وإن كان عذره في حق غيره ، كرجوع صاحب الدين في إذنه ، أو رجوع أحد الأبوين فيه : فعليه أن يرجع وليس له أن يتوجه ، فإن لم يرجع أخذه السلطان به جبرا ، وإن كان مستجعلا على غزوة من السلطان نظر في عذره ، فإن كان في حق غيره لم يرجع ، لما وجب عليه من حق الجعالة المشتركة بين حقوق الله ، وحقوق الآدميين فكانت أوكد مما انفرد بحقوق الآدميين ، وإن كان عذره في حق نفسه فعلى ضربين : أحدهما : أن يكون العذر متقدما على الجعالة ، فيمنع من الرجوع : لأنه دخل في الجعالة ملتزما لها مع عذره .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون العذر حادثا بعد الجعالة لحدوث زمانة أو تلف نفقة ، فيجوز له الرجوع ، ولا يمنع السلطان منه : لظهور عجزه ، وعدم تأثره ولا يسترجع منه ما [ ص: 126 ] أخذ : لأنه قد استحقه من مال الله تعالى .

                                                                                                                                            أما الضرب الثاني : وهو أن يكون ذلك بعد التقاء الزحفين ، فهذا على ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون رجوعه أصلح من مقامه لتشاغل المجاهدين به فيرجع ولا يقيم .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون مقامه أصلح من رجوعه لاضطراب المجاهدين برجوعه فيقيم ولا يرجع .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يتساوى مقامه ورجوعه فله حالتان :

                                                                                                                                            إحداهما : أن يكون عذره حادثا ، فله أن يرجع به سواء كان في حق نفسه أو في حق غيره : لأنه قد خرج به من فرض الجهاد .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يكون عذره متقدما فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون عذره في حق نفسه ، فيمنع من الرجوع لتوجه الفرض إليه بالحضور .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون عذره في حق غيره كرجوع الأبوين وصاحب الدين ، ففي رجوعه وجهان ، حكاهما أبو حامد المروزي في " جامعه " :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يقيم ولا يرجع كعذره في حق نفسه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يرجع ولا يقيم لتعين الحقين فقدم أسبقهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية