الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومن سرق من الغنيمة من حر أو عبد حضر الغنيمة لم يقطع : لأن للحر سهما ، ويرضخ للعبد ، ومن سرق من الغنيمة وفي أهلها أبوه أو ابنه لم يقطع ، وإن كان أخوه أو امرأته قطع ، ( قال المزني ) - رحمه الله - : وفي كتاب السرقة إن سرق من امرأته لم يقطع " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة ذلك أن الغنائم إذا أحرزت بعد إجازتها لم يجز لأحد الغانمين وغيرهم أن يتعرض لها قبل قسمها ، ولمستحقها مطالبة الإمام بقسمها فيهم ، فإن هتك حرزها من سرق منها نصاب القطع فعلى ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون خمسها باقيا فيها لم يخرج منها ، فلا قطع على السارق منها ، سواء كان من الغانمين أو من غيرهم : لأنه إن كان من الغانمين فله في أربعة أخماسها سهم ، وفي خمسها من سهم المصالح حق ، وهي شبهة واحدة يسقط بها عنه القطع .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يخرج خمسها منها فتصير أربعة أخماسها مفردا للغانمين ، وخمسها مفردا لأهل الخمس فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن تكون السرقة من أربعة أخماس الغنيمة فلا يخلو حال السارق من ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون ممن حضر الوقعة من ذي سهم ، كالرجل الحر ، وذي رضخ كالمرأة والعبد فهما سواء : لأن الرضخ يستحق وإن نقص عن السهم كنقصان سهم الراجل عن سهم الفارس فكانا حقين واجبين ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يسرق منها ما يجوز أن يكون بقدر حقه ، فلا قطع عليه ، نص عليه الشافعي ، وأجمع عليه أصحابه ، لهم في تعليله وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها شبهة في هتك حرزها .

                                                                                                                                            والثاني : أنها شبهة في أخذ حقه منها .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يسرق منها ما يعلم أنه قطعا أكثر من حقه ، ففي وجوب قطعه في الزيادة ، إذا بلغت نصابا وجهان ، أشار إليهما أبو إسحاق المروزي في شرحه :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يقطع وهو مقتضى قول من علل بالشبهة في هتك الحرز : لأن المال صار بها في غير حرز .

                                                                                                                                            [ ص: 208 ] والوجه الثاني : يقطع وهو مقتضى قول من علل بالشبهة في أخذ الحق : لأن الزيادة ليس فيها حق ، ويتفرع على هذين الوجهين أن يكون له رجل دين ، فيتوصل إلى هتك حرزه ، ويأخذ الزيادة على قدر دينه : فيكون قطعه في الزيادة على وجهين .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يكون السارق ممن لم يحضر الوقعة ، ولا يتصل بمن حضرها : فيجب قطعه فيها لارتفاع شبهته ، وعلى قول أبي حنيفة لا يقطع : لأنها عن أصل مباح .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون السارق ممن لم يحضر الوقعة ، لكن له اتصال بمن حضرها ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون اتصالهما لا يمنع من وجوب القطع بينهما ؛ كالأخ يقطع إذا سرق من أخيه ، كذلك إذا سرق من غنيمة حضرها أخوه قطع .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون اتصالهما يمنع من وجوب القطع بينهما كالولد مع الأبوين لا يقطع أحدهما في مال الآخر ، وكالعبد مع سيده لا يقطع في ماله ، كذلك إذا سرق من غنيمة حضرها واحد مات والديه ، أو مولوديه لم يقطع ، وكذلك لو حضرها عبده ، أو سيده لم يقطع ، فأما الزوج والزوجة ففي قطع كل واحد منهما في مال صاحبه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يقطع وهو قول أبي حنيفة ، فعلى هذا لا يقطع في الغنيمة إذا حضرها زوج ، أو زوجة ، ولا إذا حضرها عبد أو زوجة .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يقطع وهو قول مالك ، فعلى هذا يقطع في الغنيمة وإن حضرها هؤلاء ، فهذا حكم السرقة من أربعة أخماس الغنيمة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية