الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " وواسع للإمام أن يأذن للمشرك أن يغزو معه إذا كانت فيه للمسلمين منفعة ، وقد غزا - عليه السلام - بيهود من بني قينقاع بعد بدر ، وشهد معه صفوان حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك .

                                                                                                                                            قال الماوردي : قد غزا النبي - صلى الله عليه وسلم - بيهود بني قينقاع بعد بدر ، وشهد معه صفوان [ ص: 131 ] حنينا بعد الفتح وصفوان مشرك .

                                                                                                                                            حكي عن مالك وأبي حنيفة أنه لا يجوز للإمام أن يستعين بمشرك على قتال المشركين ، احتجاجا بقول الله تعالى : وما كنت متخذ المضلين عضدا [ الكهف : 51 ] . وبقوله تعالى : لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض [ المائدة : 51 ] . وبما روى حبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فأتيته ورجل آخر قبل أن نسلم ، فقلنا له : إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده ، فقال : أسلمتما ؟ قلنا : لا ، فقال : إنا لا نستعين بالمشركين على قتال المشركين ، فأسلمنا وخرجنا معه ، فشهدت ، فلقيني رجل ضربني فقتلته ، وتزوجت بنته ، فقالت لي : لا عدمت من وشحك هذا الوشاح ؟ فقلت : لا عدمت من ألحق أباك بالنار ؟ وهذا نص .

                                                                                                                                            قالوا : ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستعن بمشرك في غزوة بدر مع قلة العدد ، فكان أولى أن لا يستعان بهم مع الكثرة وظهور القوة .

                                                                                                                                            وذهب الشافعي - رحمه الله - إلى جواز الاستعانة بهم لقول الله عز وجل : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة [ الأنفال : 6 ] . فكان على عمومه : ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استغزى بعد بدر يهود بني قينقاع ، فغزوا معه ، وشهد معه صفوان بن أمية حنينا في شركه بعد الفتح في حرب هوازن ، واستعار منه سبعين درعا فقال : أغصب يا محمد ؟ قال : بل عارية مضمونة مؤداة ، وسمع رجلا يقول : غلبت هوازن وقتل محمد ، فقال : بفيك الحجر ، لرب من قريش أحب إلي من رب من هوازن : ولأن المشركين خول كالعبيد ، فجازت الاستعانة بهم والاستخدام لهم : ولأنهم إن قتلوا فعلى شرك وإن قتلوا فللمشرك فلم يكن للمنع وجه ، ولم يتخذهم عضدا فنمتنع منهم بالآية الأولى ، وإنما اتخذناهم خدما ولم نتخذهم أولياء ، فنمتنع منهم بالآية الثانية ، وإنما اتخذناهم أعوانا فأما الخبر محمول على أحد وجهين :

                                                                                                                                            إما أن امتنع من ذلك تجوزا تحريضا على الإسلام وهكذا كان ، وإما لاستغنائهم عنهم وهكذا يكون .

                                                                                                                                            وأما ترك إخراجهم إلى بدر فعنه ثلاثة أجوبة :

                                                                                                                                            أحدها : أنه لم يأمنهم وهكذا حكم من لم يؤمن .

                                                                                                                                            والثاني : أنه ما ابتدأ بالخروج للجهاد ، وإنما قصد أخذ العير ، وصادف فواتها قتال المشركين .

                                                                                                                                            والثالث : أنه قد استعان بهم بعد بدر فكان ما تأخر قاضيا على ما تقدم .

                                                                                                                                            [ ص: 132 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية