الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن الإمام أو أمير الجيش مخير في الأسرى بين أربعة أشياء ، يفعل منهما أصلحها في كل أسير ، فعليه أن يقدم عرض الإسلام عليهم ، فإن لم يسلموا : نظر فمن كان منهم عظيم العداوة شديد النكاية ، فهو المندوب إلى قتله : فيقتله صبرا ، يضرب العنق لقول الله تعالى : فضرب الرقاب [ محمد : 4 ] .

                                                                                                                                            وقوله : فاضربوا فوق الأعناق [ الأنفال : 12 ] . ولا يمثل به لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المثلة ، وقال : إن الله كتب عليكم الإحسان في كل شيء حتى في القتل : فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد مثل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرنيين ، فقطع أيديهم ، وأرجلهم ، وسمل أعينهم ، وألقاهم في حر الرمضاء ، فعنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه فعل ذلك في متقدم الأمر ثم نهي .

                                                                                                                                            والثاني : أنه فعل ذلك بهم جزاء وقصاصا : لأنهم قتلوا راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومثلوا به : فقاتلهم عليه بمثله وقد قال الله تعالى : وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به [ النحل : 126 ] . ولا يجوز أن يحرقهم بالنار ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يعذب بعذاب الله غير الله .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد جمع خالد بن الوليد حين قاتل أهل الردة باليمامة جماعة من الأسرى ، وألقاهم في حفيرة وأحرقهم بالنار ، وأخذ رأس زعيمهم فأوقده تحت قدره ، قيل عنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - أنكرا ذلك من فعله وبرئا إلى الله من فعله .

                                                                                                                                            والثاني : أنها كانت حالا لم ينتشر فيها حكم النهي ، ففعل خالد من ذلك ما اقتضاه حكم السياسة عنده : لأنه كان في متقدم الإسلام ، وكانوا أول قوم تظاهروا [ ص: 176 ] بالردة بعد قبض الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا بمسيلمة الكذاب ، فأظهر بما فعل من إحراقهم بالنار ، أعظم العقوبات لارتكابهم أعظم الكفر ، ثم علم بالنهي فكف وامتنع ، فإن ادعى واحد ممن أمر الإمام بقتله أنه غير بالغ ، نظر ، فإن لم ينبت شعر عانته قبل قوله ، وإن نبت شعر عانته لم يقبل قوله بغير بينة ، وفي قبول قوله مع البينة قولان بناء على اختلاف قوليه في الإنبات هل يكون بلوغا أو دلالة عليه ؟

                                                                                                                                            فإن قيل : إنه بلوغ لم تسمع بينته وقتل ،

                                                                                                                                            وإن قيل : إنه دلالة على البلوغ سمعت بينته أنه لم يستكمل خمس عشرة سنة ولم يقتل ، فهذا حكم القتل .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية