الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن جاءت امرأة رجل منهم تستعدي بأنه طلقها ، أو آلى منها ، حكمت عليه حكمي على المسلمين ، وأمرته في الظهار أن لا يقربها حتى يكفر رقبة مؤمنة ، كما يؤدي الواجب من حد وجرح وأرش ، وإن لم يكفر عنه ، وأنفذ عتقه ، ولا أفسخ نكاحه : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - عفا عن عقد ما يجوز أن يستأنف ، ورد ما جاوز العدد ، إلا أن يتحاكموا وهي في عدة فنفسخه ، وهكذا كل ما قبض من ربا ، أو ثمن خمر ، أو خنزير ، ثم أسلما أو أحدهما عفي عنه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وجملة ذلك أنه لا يخلو حال ما استعدت فيه على زوجها من أن يكون من محظورات دينهم أو من مباحاته .

                                                                                                                                            [ ص: 388 ] فإن كان من محظورات دينهم المنكرة وجب على حاكمنا أن يعديها عليه : لأن دار الإسلام تمنع من إقرار ما يتفق على إنكاره ، وإن كان من مباحات دينهم ، ففي وجوب إعدائها عليه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه يجوز ، ولا يجب .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يجب ، وهو على اختلاف القولين في جريان أحكامنا عليهم .

                                                                                                                                            فإن أعداها عليه وجوبا أو جوازا لم يحكم بينهما إلا بما يوجبه دين الإسلام ، ولا يحكم بينهما بأحكامهم في دينهم : لقول الله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم [ المائدة : 42 ] .

                                                                                                                                            فإن كان الحكم من طلاق بائن لم تجز له الرجعة في العدة إذا كان أقل من ثلاثة ، وأحرمها عليه بعد الثلاث حتى تنكح زوجا غيره ، وإن كان في إيلاء أصله أربعة أشهر ثم ألزمه الفيء أو الطلاق .

                                                                                                                                            وإن كان في ظهار أحرمها عليه بعد العود حتى يكفر بعتق رقبة مؤمنة ، ولم يجز أن يصوم فيها حتى يسلم ، وفي جواز إطعامه فيها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز : لأنه إطعام .

                                                                                                                                            والثاني : لا يجوز لأنه بدل عن الصيام .

                                                                                                                                            وإن كان في عقد نكاح راعاه ، فإن كانت ممن تحرم عليه من ذوات المحارم أبطل نكاحها ، وإن كانت ممن تحل له لم يكشف عنه عقد النكاح ، وحكم بينهما بإمضاء الزوجية ، كما يقرون عليه إذا أسلموا .

                                                                                                                                            وإن كان في مهر تقابضاه : أمضاه حلالا كان أو حراما ، وإن لم يتقابضاه لم يحكم بقبضه ، ولا بقيمته وحكم لها بمهر المثل ، وكذلك سائر الأحكام ، وكذلك في استعداء غير الزوجين .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية