الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والفصل الثاني : من ينعقد معه الأمان ، وهو من لم يحصل في الأسر من رجل أو امرأة ، ويمنع الأمان من أسره واسترقاقه وفدائه استصحابا لحاله قبل أمانه .

                                                                                                                                            فأما الأسير فله ثلاثة أحوال :

                                                                                                                                            أحدها : أن يصير في قبضة الإمام ، فلا يصح أن يؤمنه غير الإمام ، لما أوجبه الأسر من اجتهاد الإمام ، فلم يصح الافتيات عليه ، فإن أمنه الإمام صح أمانه ، ومنع الإمام من قتله ، ولم يمنع من استرقاقه وفدائه : لأن ما أوجبه إسلامه من أمانه أوكد من بذل الأمان له ، فلما لم يمنع الإسلام من استرقاقه وفدائه كان أولى لا يمنع منهما عقد أمانه .

                                                                                                                                            والحال الثانية : أن يصير في قبضة أمير الثغر ، فلا يصح أن يؤمنه إلا الإمام لعموم ولايته ، أو أمير الثغر لأنه في ولايته ، فأيهما سبق بأمانه لم يكن للآخر نقضه .

                                                                                                                                            والحال الثالثة : أن يكون باقيا في يد من أسره ، ولم يصر في قبضة الإمام فلا يخلو حال من أمنه من أربعة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يؤمنه الذي هو في أسره فيصح أمانه ، وإن لم يصح منه أمان من صار في قبضة الإمام : لأنه لما جاز له أن يقتل أسيره صح أن يؤمنه ، ولما لم يصح أن يقتل [ ص: 199 ] من في أسر الإمام لم يصح أن يؤمنه ، ويمنع الأمان من قتله ، فأما استرقاقه وفداؤه فلا يرتفع به ما كان باقيا في أسره ، فإن فك أسره امتنع استرقاقه وفداؤه ، فيكون القتل مرتفعا بلفظ الأمان ، والاسترقاق والفداء مرتفعان بزوال اليد .

                                                                                                                                            والقسم الثاني : أن يؤمنه الإمام فيصح أمانه ويرتفع بالأمان قتله : لأن أمان الإمام أعم ، ولا يرتفع به استرقاقه وفداؤه ، ولا إن فك أسره : بخلاف أمان الذي أسره : لأن يد الإمام في حق جميع المسلمين ، ويد الذي أسره في حق نفسه .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يؤمنه أمير الثغر ، فإن كان الأسير من ثغره صح أمانه ، وإن كان من غير ثغره لم يصح أمانه لخروجه عن ولايته .

                                                                                                                                            والقسم الرابع : أن يؤمنه غيرهم ، ممن لا يد له ولا ولاية . فلا يصح أمانه ، ولا يرتفع به قتل ولا استرقاق ولا فداء : لأن الأسر قد أثبت فيه حقا لغيره ، فلم يملك إسقاطه بأمانه ، وصار كأمانه لمن في أسر الإمام .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية