الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ونصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان ، وقطع أموال بني النضير ، وحرقها وشن الغارة على بني المصطلق غارين ، وأمر بالبيات والتحريق " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما ذكر ، ويجوز للإمام أن يقاتل المشركين بكل ما علم أنه يفضي إلى الظفر بهم من نصب المنجنيق والعرادة عليهم ، وقد نصب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الطائف حين حاصرها بعد فتح مكة منجنيقا أو عرادة ، ويجوز أن يشن عليهم الغارة وهم غارون لا يعلمون ، قد شن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغارة على بني المصطلق غارين ، ويجوز أن يضع عليهم البيات ليلا ، ويحرق عليهم ديارهم ويلقي عليهم [ ص: 184 ] النيران والحيات والعقارب ، ويهدم عليهم البيوت ، ويجري عليهم السيل ، ويقطع عنهم الماء ، ويفعل بهم جميع ما يفضي إلى هلاكهم ، ولا يمنع من فيهم من النساء والولدان أن يفعل ذلك بهم ، وإن أفضى إلى هلاك نسائهم وأطفالهن : لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يمنعه من في بني المصطلق منهم من شن الغارات عليهم ، ولا من ثقيف من نصب المنجنيق عليهم ، ولأن نهي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والولدان إنما كان في السبي المغنوم أن يقتلوا صبرا ، ولأنهم غنيمة ، فأما وهم في دار الحرب فهي دار إباحة يصيرون فيها تبعا لرجالهم .

                                                                                                                                            روى الصعب بن جثامة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن دار الشرك فيصاب من نسائهم وأبنائهم ، فقال : " هم منهم " يعني في حكمهم ، فأما إن كان فيهم أسارى مسلمون ، فلا يخلو جيش المسلمين من أن يخافوا اصطدام العدو أو يأمنوه ، فإن خافوا اصطدامه جاز أن يفعل بهم ما يفضي إلى هلاكهم ، وإن هلك معهم من بينهم من المسلمين : لأن سلامة الأكثر مع تلف الأقل أولى .

                                                                                                                                            وإن أمنوا اصطدامهم نظر في عدد المسلمين من الأسرى ، فإن كثر وعلم أنهم لا يسلمون إن رموا كف عن رميهم وتحريقهم ، وإن قلوا وأمكن أن يسلموا إن رموا جاز رميهم ، وقد توقى المسلمون منهم : لأن إباحة الدار يجري عليها حكم الإباحة ، وإن كان فيها حظر كما أن حظر دار الإسلام يجري عليها حكم الحظر ، وإن جاز أن يكون فيها مباح الدم ، لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : منعت دار الإسلام ما فيها وأباحت دار الشرك ما فيها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية