الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الضرب الثاني : والضعفاء فلا يلزم الإمام معاوضة الطالب في دفعه عن المطلوب بخلاف النساء في حقوق الأزواج : لأن رقبة الحر ليست بمال يصح فيه المعاوضة بخلاف بضع الحرة . فإن كان المطلوب عبدا غلب على سيده ، وهاجر مسلما ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يغلب على نفسه قبل إسلامه ، فيعتق بهجرته بعد إسلامه سواء فعل ذلك قبل الهدنة أو بعدها : لأن الهدنة توجب أمانهم منا ، ولا توجب أمان بعضهم من بعض .

                                                                                                                                            [ ص: 366 ] والضرب الثاني : أن يغلب على نفسه بعد إسلامه ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يفعل ذلك قبل الهدنة ، فيعتق بهجرته مسلما : لأنه غلب على نفسه في حال الإباحة .

                                                                                                                                            فإذا أعتق في هذه الحال ، فهل يلزم الإمام غرم قيمته لسيده أم لا ؟ على قولين ، كالزوجة .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يفعل ذلك بعد الهدنة ، فلا يعتق لحظره أموالهم بعدها ، فلم يملكها مسلم بالغلبة ، ويكون على رقه لسيده ، ويمنع من دفعه إليه ، استيفاء رقه عليه : لئلا يستذل بالاسترقاق ، ويقال لسيده : إن أعتقته كان لك ولاؤه ، ولا قيمة لك عنه بعد عتقه ، وإن امتنعت من عتقه لم يعتق عليك جبرا : لما أوجبته الهدنة من حفظ مالك ، وكان الإمام فيه مجتهدا في خيارين : إما أن يبيعه على مسلم أو يدفع قيمته من بيت المال ، ويعتقه عن كافة المسلمين ولهم ولاؤه .

                                                                                                                                            فلو كان المطلوب أمة ذات زوج غلبت على نفسها وهاجرت مسلمة ، فحضر سيدها وزوجهـا في طلبها ، كان حكمها مع السيد على ما ذكرنا من حكم العبد في العتق والرد ، وغرم القيمة على التقسيم المقدم .

                                                                                                                                            وأما حكمها مع الزوج ، فلا يخلو أن يكون حرا أو عبدا ، فإن كان حرا كان في استحقاقه لمهرها من بيت المال قولان كالحرة ، ولا يكون غرم قيمتها لو أخذها السيد مانعا من غرم مهرها للزوج .

                                                                                                                                            وإن كان الزوج عبدا ، ففي استحقاق المهر قولان أيضا ، لكنه ملك لسيده دونه ، فلا يسلم إذا استحق إلا باجتماع الزوج مع سيده : لأن ملك البضع للعبد . وملك المهر للسيد ، فإن تفرد أحدهما بطلبه منع ، وإن اجتمعا عليه دفع باجتماعهما إلى السيد دون العبد كما لو ملك العبد بالطلاق قبل الدخول نصف الصداق ، كان ملكا للسيد ، ولم ينفرد بقبضه ، إلا باجتماع مع عبده .

                                                                                                                                            ولو كانت المطلوبة أم ولد ، فجاء سيدهما في طلبها كانت في العتق ، واستحقاق القيمة كالأمة ، ولو كانت مكاتبة ، فإن حكم بعتقها على ما قدمناه في الأمة بطلب كتابتها ، وفي استحقاقه لقيمتها قولان .

                                                                                                                                            وإن لم يحكم بعتقها ، كانت على كتابتها ، ولم تبع عليه ، وإن أدت مال كتابتها عتقت بالكتابة ، وكان له ولاؤها ، وسواء كان ما أدته من الكتابة أقل من قيمتها أو أكثر ، وإن عجزت ورقت حسب من قيمتها بما أخذه من مال كتابتها بعد إسلامها ، ولم يحتسب عليه مأخذه منها قبل الإسلام ، فإن بلغ قدر القيمة ، فقد استوفى حقه ، وعتقت ، وكان ولاؤها للمسلمين ، وهل يرد عليها من بيت المال أم لا ؟ على قولين :

                                                                                                                                            [ ص: 367 ] أحدهما : لا يرد إذا قيل : إن سيد الأمة لا يستحقه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : يرد إذا قيل إن سيد الأمة يستحقه ، فإن كان ما أدته أكثر من القيمة ، لم يسترجع فاضل القيمة من سيدها ، وإن كان ما أدته أقل من قيمتها استحق سيدها تمام قيمتها قولا واحدا : لأنه عتق بعد ثبوت الرد ، وكان ذلك من بيت المال .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية