الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ويتوقى في الحرب قتل أبيه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح ، لقول الله تعالى : وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا [ لقمان : 15 ] . فكان من المعروف في حقهما الكف عن قتلهما ، وقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : صلوا أرحامكم ، ولو بالسلام .

                                                                                                                                            وروي أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة هم بمبارزة أبيه ، وقتله ، فكفه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : دعه يتولاه غيرك فبرز إليه حمزة فقتله ، وكف أبا بكر عن قتل ابنه عبد الرحمن يوم أحد ، وكف عبد الرحمن بن عوف عن قتل أبيه .

                                                                                                                                            فإذا ثبت هذا كرهنا له أن يعمد في الحرب قتل أحد من والديه أو مولوديه ، وإن تعدوا ، وقتل كل ذي رحم محرم كالإخوة والأعمام والعمات والأخوال والخالات ، وفيمن عداهم من الأقارب والعصبات كبني الأعمام والعمات وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يكره له قتلهم كالأجانب ، وهو قول أبي علي بن أبي هريرة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : يكره له قتلهم حتى يتراخى نسبهم ويبعد .

                                                                                                                                            والذي عندي أن ينظر حالهم بعد ذوي المحارم ، فإن كان ممن يرث بنسبه ويورث كره له قتلهم لقوة النسب ، وتأكيد حرمته ، وإن كانوا ممن لا يرث ولا يورث لم يكره ، فإن عمد قتل أحدهم فلا حرج عليه ، وينظر .

                                                                                                                                            فإن كان لشدة عناده لله ولرسوله والتعرض لسبهما فليس بمسيء ، وإن كان لغيره فقد أساء .

                                                                                                                                            وروي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه وأتى برأسه - صلى الله عليه وسلم - فثقل عليه وقال : ما حملك على قتله ؟ قال : سمعته يسبك ، فأمسك عنه ، ووجم أبو عبيدة حتى أنزل الله تعالى فيه : لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم [ المجادلة : 22 ] . فأقره على قتله وعذره فيه .

                                                                                                                                            [ ص: 128 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية