الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( أو ) سأله المدعي ومثله المدعى عليه نظير ما مر ( أن يكتب له ) بقرطاس أحضره من عنده حيث لم يكن من بيت المال ( محضرا ) بفتح الميم ( بما جرى من غير حكم ، أو سجلا بما حكم استحب إجابته ) ؛ لأنه مذكور وإنما لم يجب ؛ لأن الحق يثبت بالشهود لا بالكتاب ( وقيل : يجب ) توثقة لحقه ، نعم إن تعلقت الحكومة بصبي ، أو مجنون له ، أو عليه وجب التسجيل جزما وألحق بهما الزركشي الغائب [ ص: 143 - 144 ] ونحو الوقف مما يحتاط له . وأشار المتن إلى أن المحضر ما تحكى فيه واقعة الدعوى ، والجواب وسماع البينة بلا حكم ، والسجل ما تضمن إشهاده على نفسه أنه حكم بكذا ، أو نفذه ( ويستحب نسختان ) أي : كتابتهما ( إحداهما ) تدفع ( له ) بلا ختم ( والأخرى تحفظ في ديوان الحكم ) مختومة مكتوب عليها اسم الخصمين ، وإن لم يطلب الخصم ذلك ؛ لأنه طريق للتذكر لو ضاعت تلك .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : سأله المدعي ) إلى قوله : وألحق بهما في المغني وإلى قوله إجماعا في النهاية ( قوله : نظير ما مر ) أي : في شرح والإشهاد به لزم . ( قوله : حيث لم يكن من بيت المال ) عبارة المغني من عنده : أو من بيت المال . ا هـ .

                                                                                                                              ( قول المتن : أو سجلا بما حكم إلخ ) اعلم أن لألفاظ الحكم المتداولة في التسجيلات مراتب أدناها الثبوت المجرد وهو أنواع : ثبوت اعتراف المتبايعين مثلا بجريان البيع ، وثبوت ما قامت به البينة من ذلك ، وثبوت نفس الجريان وهذا كله ليس بحكم كما صححاه في باب [ ص: 143 ] القضاء على الغائب ونقله في البحر عن نص الأم وأكثر الأصحاب ؛ لأنه إنما يراد به صحة الدعوى وقبول الشهادة فهو بمثابة سمعت البينة وقبلتها ولا إلزام في ذلك ، والحكم إلزام وأعلاها الثبوت مع الحكم ، والحكم أنواع ستة : الحكم بصحة البيع مثلا ، والحكم بموجبه ، والحكم بموجب ما ثبت عنده ، والحكم بموجب ما قامت به البينة عنده ، والحكم بموجب ما أشهد به على نفسه ، والحكم بثبوت ما شهدت به البينة . وأدنى هذه الأنواع هذا السادس وهو الحكم بثبوت ما شهدت به البينة ؛ لأنه لا يزيد على أن يكون حكما بتعديل البينة . وفائدته عدم احتياج حاكم آخر إلى النظر فيها وجواز النقل في البلد . وأعلاها الحكم بالصحة ، أو بالموجب أعني الأولين وأما هذان فلا يطلق القول بأن أحدهما أعلى من الآخر بل يختلف ذلك باختلاف الأشياء ففي شيء يكون الحكم بالصحة أعلى من الحكم بالموجب وفي شيء يكون الأمر بالعكس ، فإذا كانت يختلف فيها وحكم بها من يراها كان حكمه بها أعلى من حكمه بالموجب ؛ مثاله بيع المدبر مختلف في صحته فالشافعي يرى صحته ، والحنفي يرى فساده فإذا حكم بصحته شافعي كان حكمه بها أعلى من حكمه بموجب البيع ؛ لأن حكمه في الأول حكم بالمختلف به قصدا وفي الثاني يكون حكمه به ضمنا ؛ لأنه في الثاني إنما حكم قصدا بترتب أثر البيع عليه واستتبع هذا الحكم الحكم بالصحة ؛ لأن أثر الشيء إنما يترتب عليه إذا كان صحيحا .

                                                                                                                              ومثل هذا تعليق طلاق المرأة على نكاحها فالشافعي يرى بطلانه ، والمالكي يرى صحته فلو حكم بصحته مالكي صح واستتبع حكمه به الحكم بوقوع الطلاق إذا وجد السبب وهو النكاح بخلاف ما لو حكم بموجب التعليق المذكور فإنه يكون حكمه متوجها إلى وقوع الطلاق قصدا لا ضمنا فيكون لغوا ؛ لأن الوقوع لم يوجد فهو حكم بالشيء قبل وجوده فلا يمنع الشافعي أن يحكم بعد النكاح ببقاء العصمة وعدم وقوع الطلاق وإذا كان الشيء متفقا على صحته ، والخلاف في غيرها كان الأمر بالعكس أي : يكون الحكم بالموجب فيه أعلى من الحكم بالصحة ، مثاله التدبير متفق على صحته فإذا حكم الحنفي بصحته لا يكون حكمه مانعا للشافعي من الحكم بصحة بيعه بخلاف ما لو حكم الحنفي بموجب التدبير فإن حكمه بذلك يكون حكما ببطلان بيعه فهو مانع من حكم الشافعي بصحة بيعه وهل يكون حكم الشافعي بموجب التدبير حكما بصحة بيعه حتى لا يحكم الحنفي بفساده ؟ الظاهر كما قال الأشموني لا ؛ لأن جواز بيعه ليس من موجب التدبير بل التدبير ليس مانعا منه ولا مقتضيا له نعم جواز بيعه من موجبات الملك فلو حكم شافعي بموجب الملك فالظاهر أنه يكون مانعا للحنفي من الحكم ببطلان بيعه ؛ لأن الشافعي حينئذ قد حكم بصحة البيع ضمنا .

                                                                                                                              ومثل التدبير بيع الدار المتفق على صحته فإذا حكم الشافعي بصحته لا يكون حكمه مانعا للحنفي من الحكم بشفعة الجوار وإذا حكم بموجب البيع كان حكمه به مانعا للحنفي من ذلك ولو حكم شافعي بصحة إجارة لا يكون حكمه مانعا للحنفي من الحكم بفسخها بموت أحد المتآجرين ، وإن حكم الشافعي فيها بالموجب فالظاهر خلافا لبعضهم أن حكمه يكون مانعا للحنفي من الحكم بالفسخ بعد الموت ؛ لأن حكم الشافعي بالموجب قد يتناول الحكم بانسحاب بقاء الإجارة ضمنا ، وقد بان لك أن الحكم بالصحة يستلزم الصحة بالموجب وعكسه ، وهذا غالب لا دائم فقد يتجرد كل منهما عن الآخر . مثال تجرد الصحة البيع بشرط الخيار فإنه صحيح ولم يترتب عليه أثره فيحكم فيه بالصحة ولا يحكم فيه بالموجب . ومثال تجرد الموجب الخلع ، والكتابة على نحو خمر فإنهما فاسدان ويترتب عليهما أثرهما من البينونة ، والعتق ولزوم مهر المثل ، والقيمة فيحكم فيهما بالموجب دون الصحة ، وكذا الربا ، والسرقة ونحوهما يحكم فيه بالموجب دون الصحة ويتوقف الحكم بموجب البيع مثلا كما أوضحته على ثبوت ملك المالك وحيازته وأهليته وصحة صيغته في مذهب الحاكم .

                                                                                                                              وقال ابن قاسم أخذا من كلام ابن شهبة : والفرق بين الحكم بالصحة ، والحكم بالموجب أن الحكم بالموجب يستدعي صحة الصيغة وأهلية التصرف ، والحكم بالصحة يستدعي ذلك وكون التصرف صادرا في محله . وفائدته في الأثر المختلف فيه فلو وقفه على نفسه وحكم بموجبه حاكم كان حكما منه بأن الواقف من أهل التصرف . وصيغة وقف على نفسه صحيحة حتى لا يحكم ببطلانها من يرى الإبطال وليس حكما بصحة وقفه [ ص: 144 ] لتوقفه على كونه مالكا لما وقفه حين وقفه ولم يثبت ذلك . ا هـ . مغني . ( قوله : ونحو الوقف ) كالوصية ، والإجارة الطويلة . ا هـ . ع ش . ( قول المتن : ويستحب ) أي : للقاضي نسختان أي : بما وقع بين الخصمين ، وإن لم يطلبا ذلك . ا هـ . مغني . ( قوله : تدفع له ) أي : لصاحب الحق لينظر فيها ويعرضها على الشهود ؛ لئلا ينسوا . ا هـ . مغني . ( قول المتن : تحفظ في ديوان الحكم ) ويضعها في حرز له ، وما يجتمع عند الحاكم يضم بعضه إلى بعض ، ويكتب عليه محاضر كذا في شهر كذا في سنة كذا وإذا احتاج إليه تولى أخذه بنفسه ونظر أولا إلى ختمه وعلامته . ا هـ . مغني . ( قوله : مكتوب عليها ) أي : على رأسها . ا هـ . مغني . ( قوله : وإن لم يطلب الخصم ذلك ) راجع إلى قول المصنف : ويستحب نسختان ( قوله : لأنه طريق إلخ ) علة لقول المصنف ، والأخرى تحفظ إلخ خلافا لما يوهمه صنيعه .




                                                                                                                              الخدمات العلمية