الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فصل ) لو ( حلف ) لا يشتري عينا بعشرة فاشترى نصفها بخمسة ، ثم نصفها بخمسة اختلف فيه جمع متأخرون فقال جمع : يحنث وجمع لا والذي يتجه الثاني سواء أقال : لا أشتري قنا مثلا أو لا أشتري هذا ؛ لأنه لم يصدق عليه عند شراء كل جزء الشراء بالعشرة وكونها استقامت عليه بعشرة لا يفيد ؛ لأن المدار في الأيمان غالبا عند الإطلاق على ما يصدق عليه اللفظ فلا يقال : القصد أنها لا تدخل في ملكه بعشرة وقد وجد أو ( لا يبيع أو لا يشتري فعقد ) عقدا صحيحا لا فاسدا ( لنفسه أو غيره ) بوكالة أو ولاية ( حنث ) أما الأول فواضح ، وأما الثاني فلأن إطلاق اللفظ يشمله نعم الحج يحنث بفاسده ولو ابتداء بأن أحرم بعمرة فأفسدها ثم أدخله عليها ؛ لأنه كصحيحه لا بباطله ، وقضية فرقهم بين الباطل والفاسد في العارية والخلع والكتابة إلحاقها بالحج فيما ذكر من الحنث بفاسدها دون باطلها وفيه نظر .

                                                                                                                              ولو قال لا أبيع فاسدا فباع فاسدا فوجهان ظاهر كلامهما ترجيح [ ص: 62 ] عدم الحنث ، وجزم به الأنوار وغيره ورجح الإمام الحنث ومال إليه الأذرعي وغيره وينبغي أن يجمع بحمل الأول على ما إذا أراد حقيقة البيع أو أطلق لانصراف لفظ البيع إلى حقيقته وقوله فاسدا مناف لما قبله فألغي ، والثاني على ما إذا أراد بالبيع صورته لا حقيقته وإنما احتجنا لهذا ليتضح وجه الأول وإلا فهو مشكل جدا كيف وقد ذكروا في لا أبيع الخمر أنه إن أراد الصورة حنث فتأمله . ( ولا يحنث بعقد وكيله له ) ؛ لأنه لم يعقد وأخذ الزركشي من تفريقهم بين المصدر وأن والفعل في قولهم : يملك المستعير أن ينتفع فلا يؤجر ، والمستأجر المنفعة فيؤجر أنه لو أتى هنا بالمصدر كلا أفعل الشراء أو الزرع حنث بفعل وكيله وفيه نظر بل لا يصح ؛ لأن الكلام ثم في مدلول ذينك اللفظين شرعا وهو ما ذكروه فيهما وهنا في مدلول ما وقع في لفظ الحالف وهو في لا أفعل الشراء ولا أشتري وفي حلفت أن لا أشتري واحد وهو مباشرته للشراء بنفسه .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( فصل )

                                                                                                                              حلف لا يبيع أو لا يشتري فعقد إلخ ( قوله : والذي يتجه الثاني ) كتب عليه م ر ( قوله : سواء أقال لا أشتري قنا مثلا أو لا أشتري هذا ؛ لأنه لم يصدق عليه إلخ ) هل يصدق القن على البعض حتى لو اشترى بعضه .

                                                                                                                              [ ص: 62 ] بعشرة حنث فيه نظر ولا يبعد الصدق ؛ لأن البعض شيء رقيق فهو قن ( قوله : ورجح الإمام الحنث ) كتب على رجح م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( فصل حلف لا يبيع أو لا يشتري )

                                                                                                                              ( قوله : لو حلف ) إلى وقوله وقضية فرقهم في النهاية ( قوله : بعشرة ) خرج به ما لو قال لا أشتري هذه العين ولم يذكر ثمنا فيحنث إذا اشترى بعضها في مرة وبعضها في مرة أخرى ؛ لأنه صدق عليه أنه اشتراها . ا هـ . ع ش ( قوله ويتجه الثاني ) وينبغي أن يأتي مثل ذلك فيما لو قال : لا أبيعها بعشرة فباع نصفها بخمسة ثم نصفها بخمسة فلا يحنث . ا هـ . ع ش ( قوله سواء أقال لا أشتري قنا إلخ ) هل يصدق القن على البعض حتى لو اشترى بعضه بعشرة حنث فيه نظر ولا يبعد الصدق لأن البعض شيء رقيق فهو قن ا هـ سم أقول بل الأقرب عدم الصدق ؛ لأن المتبادر من قنا الكامل والله أعلم ( قوله : عليه ) أي : فعل الحالف

                                                                                                                              ( قوله : وكونها ) أي : العين ( قوله : لا يفيد ) أي : في الحنث . ا هـ . ع ش ( قوله : فلا يقال القصد أنها لا تدخل إلخ ) قد يفيد عدم الحنث مع قصد هذا المعنى وإرادته بالفعل وفيه وقفة ظاهرة ومخالفة لقوله عند الإطلاق فينبغي أن يحمل على الشأن والله أعلم ( قوله : عقدا ) إلى قوله وينبغي في المغني ( قوله : عقدا صحيحا إلخ ) ولا فرق في ذلك بين العامي وغيره . ا هـ . ع ش ( قوله : أما الأول ) أي العقد لنفسه ( قوله : نعم الحج إلخ ) وكذا العمرة عبارة المنهج مع شرحه ولا يحنث بفاسد من بيع أو غيره إلا بنسك فيحنث به وإن كان فاسدا ؛ لأنه منعقد يجب المضي فيه . ا هـ . ( قوله إلحاقها بالحج إلخ ) والظاهر عدم إلحاقها به مغني ونهاية ( قوله : بفاسدها إلخ ) الأولى التذكير ( قوله وفيه نظر ) كأن وجهه أن الحج الفاسد ألحقوه بالصحيح في سائر أحكامه من المحرمات والواجبات والأركان - [ ص: 62 ] والمندوبات ولا كذلك ما ذكر فإنهم فرقوا فيها بين الفاسد والباطل لم يلحقوا الفاسد منها بالصحيح في مباحث الأحكام . ا هـ . سيد عمر ومر عن شيخ الإسلام فرق آخر

                                                                                                                              ( قوله : ورجح الإمام الحنث إلخ ) وفاقا للمغني والنهاية ( قوله : لهذا ) أي : الجمع المذكور ( قوله وإلا ) أي : بأن أراد الجمع الأول عدم الحنث ولو أراد الحالف صورة البيع ( قوله : فهو ) أي الأول ( قوله : وقد ذكروا في لا أبيع الخمر إلخ ) عبارة المغني ولو أضاف العقد إلى ما لا يقبله كأن حلف لا يبيع الخمر أو المستولدة ثم أتى بصورة البيع فإن قصد التلفظ بلفظ العقد مضافا إلى ما ذكره حنث وإن أطلق فلا . ا هـ . ( قول المتن ولا يحنث إلخ ) أي الحالف على عدم البيع مثلا إذا أطلق سواء أكان ممن يتولاه بنفسه عادة أم لا . ا هـ . مغني ( قوله : ؛ لأنه لم يعقد ) إلى قوله وإن كان ما قاله في النهاية إلا قوله : وتعليقه إلى المتن ( قوله : والمستأجر المنفعة إلخ ) لا شك أن المنفعة في قولهم والمستأجر يملك المنفعة اسم عين ومدلوله المعنى القائم بمحلها المستوفى على التدريج لا المعنى المصدري الذي هو الانتفاع فالمستعير مالك للمنفعة بهذا المعنى وحينئذ فيتضح أن أخذ الزركشي محل تأمل بل يكاد أن يكون ساقطا بالكلية فليتأمل . ا هـ .

                                                                                                                              سيد عمر ( قوله بل لا يصح ) معتمد ا هـ ع ش ( قوله : لأن الكلام في مدلول ذينك اللفظين إلخ ) الظاهر أن هذا وجه النظر وسكت عن وجه عدم الصحة ولعله أن المصدر هو الانتفاع ولا فرق بينه وبين أن والفعل ثم ، فالمستعير كما يملك أن ينتفع يملك الانتفاع الذي هو عبارة عنه وإنما المنفي عنه ملك المنفعة وهي المعنى القائم بالعين وليس مصدرا . ا هـ . رشيدي ( قوله : ذينك اللفظين ) أي أن ينتفع والمنفعة ( قوله : في مدلول ذينك اللفظين شرعا ) أي : بخلاف ما هنا فإن المراد بيان مدلولهما الأصلي إذ الشارح لم يفرق بينهما هنا بخلافه هناك فتأمل . ا هـ . رشيدي ( قوله : وفي حلفت أن لا أشتري ) لم يظهر لي فائدة إظهار الفعل هنا دون ما قبله

                                                                                                                              ( قوله : وهو مباشرته للشراء بنفسه ) أي : فلا يحنث بفعل وكيله . ا هـ . ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية