الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وتقبل شهادة الحسبة ) من احتسب بكذا أجرا عند الله اعتده ينوي به وجه الله قبل الاستشهاد ولو بلا دعوى بل لا تسمع في الحدود أي : إلا إن تعلق بها حق آدمي كسرقة قبل رد مالها . قال جمع : ولا في غيرها لعدم الاحتياج إليها وعليه فهل الحكم المترتب عليها باطل ؛ لأن المترتب على الباطل باطل أو لا ؛ لأن بطلانها أوجب أنها كما لو لم تذكر فكأنه حكم بغير دعوى وهو صحيح كل محتمل والأوجه الثاني وقال البلقيني وغيره : تسمع وهو المعتمد ؛ لأنه قد يقر فيحصل المقصود بوجه أقوى وكفى بهذا حاجة وقد تناقض في ذلك كلامهما في مواضع ( في حقوق الله تعالى ) كصلاة ، وزكاة ، وكفارة ، وصوم وحج عن ميت بأن يشهد بتركها وحق لنحو مسجد ( وفيما له فيه حق مؤكد ) وهو ما لا يتأثر برضا الآدمي بأن يقول حيث لا دعوى [ ص: 238 ] أنا أشهد أو عندي شهادة على فلان بكذا وهو ينكر فأحضره لأشهد عليه وإنما تسمع عند الحاجة إليها حالا كأخيها رضاعا وهو يريد أن ينكحها أو أعتقه وهو يريد أن يسترقه ، ولا عبرة بقولهما نشهد لئلا يتناكحا بعد ونوزع في اشتراط الحاجة بقول ابن الصلاح تقبل بإعتاق نحو ميت قنه وإن لم يطلبها فيحكم بها وإن لم يحلف إذا لاحظ الحسبة ، ويرد بحمل هذا وأمثاله كالمسألة التي نقلها الرافعي عن القفال فيمن باع دارا فقامت بينة حسبة أن أباه وقفها على ما إذا قال والوارث يريد أن يسترقه أو نحو ذلك كقوله وهو منكر ذلك ؛ لأنه مع تقدم البيع منه مستلزم لذكر حاجة هي وهو يمنعها من الموقوف عليهم على أن قضية كلام المنازع أنه إنما يرد اشتراط ذكر نحو الاسترقاق بالفعل وهذا أعني عدم اشتراط ذكره بالفعل ظاهر لا كلام فيه وإنما هو في ذكر وهو يريد كذا وهذا لا بد منه .

                                                                                                                              ( كطلاق ) رجعي أو بائن ولو خلعا لكن بالنسبة له دون المال ( وعتق ) بأن يشهد به أو بالتعليق مع وجود الصفة أو بالتدبير مع الموت أو بما يستلزمه كالإيلاد بخلافه بمجرد التدبير أو التعليق بصفة أو الكتابة على أحد وجهين رجحه شارح ورجح غيره سماعها وهو الأوجه ويؤيده ما يأتي قريبا عن البغوي والجامع أن المقصود بالشهادة مترقب في كل منهما فإن قلت يؤيد الأول قولهم السابق عند الحاجة إليها حالا قلت ينبغي استثناء نحو هاتين الصورتين كزنى بفلانة ، ويذكر شروطه مما لا يمكن فيه ذكر ذلك لضرورة ثبوت الأصل ليترتب عليه ما هو حق لله تعالى بعد فإن قلت هذا بعينه جار في نحو أخيها رضاعا مع عدم قبولها فيه قلت يفرق بين هذا وأمثاله ، والزنا وأمثاله بأن اقتصار الشاهد على أخيها رضاعا غير مفيد فائدة يترتب عليها حاجة ناجزة فاحتيج إلى ضم ما يجعله مفيدا نحو وهو يريد نكاحها ، ونحو دبره وهو منكر متضمن لذكر وهو يريد أو وارثه بقاءه من جملة تركته ولا تسمع في شراء القريب ؛ لأنها شهادة بالملك ، والعتق يترتب عليه وفارق ما مر في الخلع بأن الفرقة ثم هي المقصودة والمال تبع والملك هنا هو المقصود والعتق تبع ولو ادعى قنان أن سيدها أعتق أحدهما وقامت به بينة سمعت وإن كانت الدعوى فاسدة لاستغناء بينة الحسبة عن تقدم دعوى .

                                                                                                                              قال بعضهم : ولعل هذا إذا حضر السيد أو غاب غيبة شرعية وإلا فلا بد من حضوره . ا هـ . ويؤخذ من ذلك ترجيح ما قدمته من أن كل ما قبلت فيه شهادة الحسبة ينفذ الحكم فيه [ ص: 239 ] بها وإن ترتب على دعوى فاسدة ( وعفو عن قصاص ) ؛ لأنها شهادة بإحياء نفس وهو حق لله تعالى ( وبقاء عدة وانقضائها ) لما يترتب على الأول من صيانة الفرج عن استباحته بغير حق ولما في الثاني من الصيانة ، والتعفف بالنكاح ومثل ذلك تحريم الرضاع والمصاهرة ( وحد له ) تعالى كحد زنا وقطع طريق وسرقة ومثله إحصان وسفه وجرح بعد الشهادة وتعديل بعد طلب القاضي له ولو في غيبة معدل أو مجروح عرف اسمه ونسبه كما مر فيحجر عليه في الأولى إن كان في عمله وبلوغ وإسلام وكفر ووصية أو وقف لنحو جهة عامة ولو في آخره كعلى ولده ، ثم ولد ولده ، ثم الفقراء كما أفتى به البغوي وأفتى القاضي بسماع دعوى أجنبي على وصي خان فيحلفه الحاكم إن اتهمه واستحسنه الأذرعي وغيره قالا وإذا كان له تحليفه فله إقامة البينة بل أولى ( وكذا النسب على الصحيح ) ؛ لأن الشرع أكده ومنع قطعه فضاهى الطلاق والعتق وخرج بما مر حق الآدمي المحض كقود وحد قذف وبيع وإقرار

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : من احتسب ) لي قوله قال جمع في النهاية وإلى قوله وعليه فهل إلخ في المغني ( قوله : من احتسب إلخ ) عبارة المغني من الاحتساب وهو طلب الأجر سواء أسبقها دعوى أم لا كانت في غيبة المشهود عليه أم لا وهي كغيرها من الشهادات في شروطها السابقة . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : بل لا تسمع إلخ ) أي دعوى الحسبة اكتفاء بشهادتها أسنى ورشيدي . ( قوله : في الحدود أي إلا إلخ ) عبارة النهاية في محض حدود الله تعالى وحينئذ فتسمع في السرقة قبل رد مالها . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : قبل رد مالها ) عبارة الأسنى فتسمع فيها إذا لم يبرأ السارق من المال برد ونحوه وإلا فلا تسمع لتمحض الحق لله تعالى كالزنا . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : قال جمع ولا في غيرها إلخ ) اعتمده المغني عبارته وما تقبل فيه شهادة الحسبة هل تسمع فيه دعواها ؟ وجهان أوجههما كما جرى عليه ابن المقري تبعا للإسنوي ونسبه الإمام للعراقيين لا تسمع ؛ لأنه لا حق للمدعي في المشهود به ومن له الحق لم يأذن في الطلب والإثبات بل أمر فيه بالإعراض والدفع ما أمكن والوجه الثاني ورجحه البلقيني أنها تسمع ويجب حمله على غير حدود الله تعالى وكذا فصل بعض المتأخرين فقال إنها تسمع إلا في محض حدود الله تعالى . ا هـ .

                                                                                                                              ويعني بالبعض شيخ الإسلام في شرح الروض ويوافقه صنيع النهاية كما مر . ( قوله : وعليه ) أي على ما قاله جمع من عدم سماع دعوى الحسبة أصلا . ( قوله : والأوجه الثاني ) أي عدم البطلان وفاقا للنهاية كما يأتي ( قوله : تسمع ) أي في غير محض حدود الله كما مر عن المغني . ( قوله : وهو المعتمد ) وفاقا للأسنى والنهاية كما مر ( قوله : لأنه قد يقر ) أي المدعى عليه حسبة عبارة الأسنى ؛ لأن البينة قد لا تساعد ويراد استخراج الحق بإقرار المدعى عليه . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : في ذلك ) أي في سماع دعوى الحسبة . ( قوله : كصلاة ) إلى قوله ونوزع في النهاية وإلى قوله ولا عبرة في المغني إلا قوله : وجمع من ميت وقوله وحق لنحو مسجد وقوله حيث لا دعوى ( قول المتن وفيما له ) أي في الذي لله مغني . ( قوله : بأن يقول إلخ ) عبارة المغني والروض وشرح المنهج وكيفية شهادة الحسبة أن الشهود يجيئون إلى [ ص: 238 ] القاضي ويقولون نحن نشهد على فلان بكذا فأحضره لنشهد عليه فإن ابتدءوا وقالوا فلان زنى فهم قذفة . ا هـ .

                                                                                                                              وفي الأسنى نعم إن وصلوا شهادتهم به قال الزركشي فالظاهر أنهم ليسوا بقذفة لكن كلام الروياني يقتضي أنه لا فرق انتهى . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : أنا أشهد ) أي أريد أن أشهد بجيرمي أو أنا أعلم . ( قوله : لأشهد عليه ) أي لإنشاء الشهادة عليه بجيرمي . ( قوله : وهو يريد إلخ ) أي أو أنكحها روض ( قوله : ولا عبرة بقولهما إلخ ) أي وإن كانا مريدين سفرا وخشيا أن ينكحها في غيبتهما ع ش ( قوله : نحو ميت ) أي كالمجنون ( قوله : وإن لم يطلبها ) أي القن الشهادة . ( قوله : فيحكم بها ) أي القاضي بشهادة الحسبة . ( قوله : وإن لم يحلف ) أي القاضي القن على حذف المفعول ويجوز كونه من الحلف مسندا إلى ضمير القن ( قوله : بحمل هذا ) أي قول ابن الصلاح . ( قوله : على ما إلخ ) متعلق بالحمل . ( قوله : إذا قال ) أي شاهد الحسبة . ( قوله : يريد إلخ ) أي أو يسترقه روض ( قوله : لأنه ) أي قول الشاهد وهو ينكر ذلك في مسألة القفال وقد يقال إن مجرد تقدم البيع كاف في الاستلزام فلا حاجة إلى قوله وهو ينكر ذلك وقوله مع تقدم البيع منه أي من الولد . ( قوله : إنما يرد إلخ ) كذا في أكثر النسخ وفي أصل المصنف الذي عليه خطه يرد سيد عمر أي بلا إنما . ( قوله : بالفعل ) متعلق بالاسترقاق بقرينة آخر كلامه لا بالذكر ( قول المتن كطلاق ) أي ؛ لأن المغلب فيه حق الله تعالى بدليل أنه لا يرتفع بتراضي الزوجين أسنى . ( قوله : رجعي ) إلى قوله بخلافه في النهاية إلا قوله : مع وجود الصفة فلفظه دون وجود الصفة . ا هـ .

                                                                                                                              وإلى قوله على أحد وجهين في المغني والروض ( قوله : بالنسبة له ) أي للفراق نهاية ومغني . ( قوله : أو بما يستلزمه ) أي العتق ( قوله : بخلافه ) الأولى التأنيث ( قوله : بمجرد التدبير أو التعليق بصفة أو الكتابة ) أي فلا تقبل فيها وفارقت الإيلاد بأنه يفضي إلى العتق لا محالة بخلافها مغني وأسنى ( قوله : رجحه شارح ) وجزم به الروض وشيخ الإسلام ومغني . ( قوله : سماعها ) أي الشهادة بمجرد التدبير إلخ . ( قوله : وهو الأوجه ) وفاقا للنهاية . ( قوله : ما يأتي قريبا إلخ ) أي في شرح وحد له تعالى . ( قوله : والجامع ) أي بين ما هنا وما يأتي . ( قوله : مترقب في كل منهما ) قد يفرق بإمكان النقض هنا دون ما يأتي . ( قوله : يؤيد الأول ) أي عدم السماع . ( قوله : هاتين الصورتين هنا ) أي ما هنا وما يأتي . ( قوله : كزنى بفلانة ويذكر شروطه ) هذا الإلحاق ليس في كثير من النسخ لكنه ثابت في أصل المصنف بخطه سيد عمر . ( قوله : مما لا يمكن إلخ ) بيان للنحو . ( قوله : ذكر ذلك ) أي الحاجة . ( قوله : لضرورة إلخ ) علة للانبغاء . ( قوله : هذا بعينه ) أي التعليل المذكور ( قوله : بين هذا ) أي أخيها رضاعا وقوله وأمثاله أي كالاقتصار على أعتقه أو دبره أو وقفها أبوه . ( قوله : والزنا وأمثاله ) أراد بها ما عبر عنه بنحو هاتين الصورتين . ( قوله : على أخيها رضاعا ) أي وأمثاله . ( قوله : ونحو دبره إلخ ) معطوف على قوله اقتصار الشاهد إلخ . ( قوله : متضمن لذكره وهو إلخ ) أي فيفيد فائدة يترتب إلخ . ( قوله : ولا تسمع ) إلى قوله وقال في الروض مع شرحه وإلى قوله ولو في آخره في النهاية إلا قوله : وقال بعضهم وقوله ما قدمته من وقوله وسرقة إلى وبلوغ وقوله وكفر . ( قوله : ولا تسمع إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه أما العتق الضمني كمن شهد لشخص بشراء قريبه فلا في الأصح ؛ لأنها إلخ وتصح شهادته بالعتق الحاصل بشراء القريب . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : في شراء القريب ) أي الذي يعتق به وإن تضمن العتق أسنى . ( قوله : وقال بعضهم إلخ ) جزم به النهاية عبارته ويتجه [ ص: 239 ] فرضه فيما لو حضر السيد إلخ ( قول المتن عن قصاص ) أي في نفس أو طرف مغني . ( قوله : ؛ لأنها شهادة ) إلى قوله وأفتى القاضي في المغني والروض مع شرحه إلا قوله : وسفه وجرح بعد الشهادة وقوله بعد الطلب إلى وبلوغ ( قوله : من الصيانة ) لعله من وطء الزوج بأن يراجع وعلى هذا فهو مختص بالرجعي رشيدي . ( قوله : ومثل ذلك ) أي بقاء العدة ( قول المتن وحد له ) والمستحب ستره أي موجبه روض ونهاية زاد المغني إن رأى المصلحة فيه . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : ومثله ) أي الحد . ( قوله : بعد طلب القاضي إلخ ) راجع للجرح أيضا . ( قوله : في الأولى ) صوابه في الثانية وهي السفه ( قوله : ووصية إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه والوصية والوقف إذا عمت جهتهما ولو أخرت الجهة العامة فيدخل نحو ما أفتى به البغوي من أنه لو وقف دارا على أولاده ، ثم على الفقراء فاستولى عليها ورثته وتملكوها فشهد شاهدان حسبة قبل انقراض أولاده بوقفيتها قبلت شهادتهما ؛ لأن آخره وقف على الفقراء لا إن خصت جهتهما فلا تقبل فيهما لتعلقهما بحظوظ خاصة . ا هـ .

                                                                                                                              . ( قوله : لنحو جهة إلخ ) راجع للوصية أيضا . ( قوله : لنحو جهة عامة ) لا إن كانا لجهة خاصة نهاية . ( قوله : فيحلف ) أي الوصي . ( قوله : وإذا كان له إلخ ) أي للحاكم أو للأجنبي . ( قوله : لأن الشرع ) إلى التنبيه في النهاية والمغني . ( قوله : أكده ) أي حث على حفظه ع ش ( قوله : بما مر ) أي بقول المصنف في حقوق الله تعالى إلخ ع ش . ( قوله : حق الآدمي إلخ ) لكن إذا لم يعلم صاحب الحق به أعلمه الشاهد به ليستشهده بعد الدعوى ومغني وروض مع شرحه وتقدم في الشرح والنهاية مثله




                                                                                                                              الخدمات العلمية