الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( أو ) حلف ( لا رأى منكرا ) أو نحو لقطة ( إلا رفعه إلى القاضي فرأى ) منكرا ( وتمكن ) من رفعه له ( فلم يرفعه ) أي : لم يوصل بنفسه أو غيره بلفظ أو نحو كتابة للقاضي خبره في محل ولايته لا غيره إذ لا فائدة له ( حتى مات ) الحالف ( حنث ) أي من قبيل الموت كما هو ظاهر ؛ لأنه فوت البر باختياره ويظهر أن العبرة في المنكر [ ص: 60 ] باعتقاد الحالف دون غيره وظاهر أن الرؤية من أعمى تحمل على العلم ، ومن بصير تحمل على رؤية البصر ( ويحمل ) القاضي في لفظ الحالف حيث لا نية له ( على قاضي البلد ) أي بلد فعل المنكر ؛ لأنه المعهود بالنسبة لإزالته وبه يفرق بين هذا وما مر في الرءوس نعم إنما يتجه ذلك في منكر محسوس لا نحو زنا انقضى وإلا اعتبر قاضي البلد التي فيها فاعل المنكر حالة الرفع ؛ لأن القصد من هذه اليمين إزالة المنكر وهي في كل بما ذكر

                                                                                                                              ( فإن عزل فالبر بالرفع إلى ) القاضي ( الثاني ) ؛ لأن التعريف بأل يعمه ويمنع التخصيص بالموجود حالة الحلف ، فإن تعدد في البلد تخير ما لم يختص كل بجانب فيتعين قاضي شق فاعل المنكر ؛ لأنه الذي يلزمه إجابته إذا دعاه ، ذكره في المطلب وتوقف فيه شيخنا بأن رفع المنكر للقاضي منوط بإخباره به لا بوجوب إجابة فاعله ويجاب بمنع ذلك بل ليس منوطا إلا بما يتمكن من إزالته بعد الرفع ، ولو إليه وهذا لا يتمكن منها فالرفع إليه كالعدم ولو رآه بحضرة القاضي فالأوجه أنه لا بد من إخباره به ؛ لأنه قد يتيقظ له بعد غفلته عنه ، ولو كان فاعل المنكر القاضي

                                                                                                                              فإن كان ثم قاض آخر رفعه إليه وإلا لم يكلف كما هو ظاهر بقوله رفعت إليك نفسك ؛ لأن هذا لا يراد عرفا من لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي ( أو إلا رفعه إلى قاض بر بكل قاض ) بأي بلد كان لصدق الاسم وإن كان ولايته بعد الحلف ( أو إلى القاضي فلان فرآه ) أي : الحالف المنكر ( ثم ) لم يرفعه إليه حتى ( عزل فإن نوى ما دام قاضيا حنث ) بعزله ( إن أمكنه رفعه ) إليه قبله ( فتركه ) لتفويته البر باختياره ولا فورية هنا ، وأما لو لم يعزل ولم يرفع له حتى مات أحدهما فإنه يحنث إن تمكن منه وتقييد جمع من الشراح ما ذكر في العزل بما إذا استمر عزله لموت أحدهما وإلا فلا حنث ؛ لاحتمال عوده مردود بأن هذا إنما يتأتى فيما إذا قال وهو قاض أو نواه فإنه الذي لا حنث فيه بالعزل مطلقا لاحتمال عوده

                                                                                                                              وأما إذا قال ما دام أو ما زال قاضيا أو نواه فيتعين حنثه بمجرد عزله بعد تمكنه من الرفع إليه سواء أعاد أم استمر معزولا لموت أحدهما لانقطاع الديمومة بعزله فلم يبر بالرفع إليه بعد ، فإن قلت : يمكن أن يجاب بأن الظرف في إلا رفعه إلى القاضي فلان ما دام قاضيا إنما هو ظرف للرفع ، والديمومة موجودة حيث رفعه إليه في حال القضاء قلت كلامهم في نحو لا أكلمه ما دام في البلد فخرج ثم عاد يقتضي أنه لا بد من بقاء الوصف المعلق بدوامه من الحلف إلى الحنث فمتى زال بينهما فلا حنث عملا بالمتبادر من عبارته [ ص: 61 ] .

                                                                                                                              ( وإلا ) يتمكن منه لنحو مرض أو حبس أو تحجب القاضي ولم يمكنه مراسلة ولا مكاتبة ( فكمكره ) فلا يحنث ( وإن لم ينو ) ما دام قاضيا ( بر برفع ) هـ ( إليه بعد عزله ) نوى عينه أو أطلق لتعلق اليمين بعينه وذكر القضاء للتعريف فهو كلا أدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخلها حنث تغليبا للعين مع أن كلا من الوصف والإضافة يطرأ ويزول وبه فارق ما مر في لا أكلم هذا العبد فكلمه بعد العتق ؛ لأن الرق ليس من شأنه أنه يطرأ ويزول

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : حتى مات الحالف ) أخرج موت القاضي ووجهه ظاهر ؛ لأنه يكفي الرفع لمن يولى بعده كما لو عزل قبل الرفع إليه مع التمكن [ ص: 60 ] فإنه لا يحنث لإمكان رفعه لمن يولى بعد منه أو من غيره . ( قوله : أي : بلد فعل المنكر ) وفي شرح الروض بلد الحالف م ر . ( قوله : وتوقف فيه شيخنا ) كتب على التوقف م ر ( قوله : وتوقف فيه شيخنا ) أي فيتخير أيضا . ( قوله : لا بوجوب إجابة فاعله ) قد زاد الشيخ على ذلك ما نصه على أن المعتبر بلده . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ويجاب بمنع ذلك إلخ ) أقول : مما ينازع في هذا الجواب ويقوي توقف الشيخ ما يأتي فيما لو أنكر القاضي فقال إلى قاض حيث يبر بالرفع لغير قاضي البلد مع أن الفاعل لا يجب عليه إجابة غير قاضي البلد وهذا مما ينازع فيما في المطلب ويوجه إطلاقهم . ( قوله : ولو رآه بحضرة القاضي إلخ ) انظر لو كان فاعل المنكر نفس القاضي . ( قوله : ؛ لأنه قد يتيقظ له بعد غفلته ) انظر لو صدر من القاضي ما يقطع بتيقظه وعدم غفلته كالمبادرة إلى إنكاره والمبالغة فيه

                                                                                                                              .


                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أو نحو لقطة ) إلى قوله في محل ولايته في المغني وإلى قول المتن على قاضي البلد في النهاية ( قوله : أو نحو لقطة ) أي : كضالة ا هـ مغني عبارة النهاية أو نحو لغط قال . ا هـ . ع ش أي : في محل لا يليق به اللغط كالمسجد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : منكرا ) الأولى ليشمل ما زاده ذلك ( قوله : أو نحو كتابة ) لعله أدخل بالنحو الرسالة كما صرح بها النهاية ولكن يغني عنه قوله : أو غيره فالأولى إسقاطه كما في المغني ( قوله : حتى مات الحالف ) أخرج موت القاضي ووجهه ظاهر ؛ لأنه يكفي الرفع لمن يولى بعده كما لو عزل قبل الرفع إليه مع التمكن فإنه لا يحنث لإمكان رفعه لمن يولى بعد منه أو من غيره . ا هـ . سم

                                                                                                                              ( قوله : لأنه فوت البر باختياره ) ولا [ ص: 60 ] يلزمه المبادرة إلى الرفع بل له المهلة مدة عمره وعمر القاضي فمتى رفعه إليه بر . ا هـ . مغني ( قوله : باعتقاد الحالف ) وعليه فيبر برفعه إلى قاضي البلد وإن كان لا يراه منكرا ا هـ ع ش وعبارة الرشيدي ظاهره وإن لم يكن منكرا عند القاضي وفيه وقفة إذ لا فائدة في الرفع ويبعد تنزيل اليمين على مثل ذلك ا هـ وعبارة البجيرمي كلامه يشمل ما إذا كان غير منكر عند الفاعل كشرب النبيذ من الحنفي فالظاهر أنه لا بد أن يكون منكرا عند الفاعل وعند القاضي حتى يكون للرفع فائدة . ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أي : بلد فعل المنكر ) عبارة الأسنى الذي حلف فيه دون قضاة بقية البلاد . ا هـ . وعبارة النهاية أي : بلد الحلف لا بلد الحالف فيما يظهر ا هـ قال الرشيدي قوله أي : بلد الحلف لا بلد الحالف في بعض النسخ عكس هذا وهو موافق لما في شرح الروض ا هـ وعبارة سم وفي شرح الروض بلد الحالف م ر ولعل نسخ شرح الروض مختلفة ( قوله : وما مر في الرءوس ) قد مر ما فيه ( قوله : محسوس ) أي : موجود في الحال ( قوله : في كل ) أي من المحسوس والمنقضي ( قوله : تخير ) أي : وإن كان المحلوف عليه لا يقضي عليه من رفعه له في العادة بتعزير ولا نحوه لعظمة الفاعل الصورية . ا هـ . ع ش

                                                                                                                              ( قوله ما لم يختص إلخ ) خلافا للنهاية والمغني عبارتهما وإن خص كل بجانب فلا يتعين قاضي شق فاعل المنكر خلافا لابن الرفعة . ا هـ . ( قوله وتوقف فيه شيخنا ) أي : فيتخير أيضا . ا هـ . سم أي : وفاقا للنهاية والمغني ( قوله : لا بوجوب إجابة فاعله ) قد زاد الشيخ على ذلك ما نصه على أن المعتبر بلده انتهى . ا هـ . سم ( قوله : ويجاب بمنع ذلك إلخ ) أقول مما ينازع في هذا الجواب ويقوي توقف الشيخ ما يأتي فيما لو نكر القاضي فقال إلى قاض حيث يبر بالرفع لغير قاضي البلد مع أن الفاعل لا يجب عليه إجابة غير قاضي البلد وهذا مما ينازع فيما في المطلب ويوجه إطلاقهم . ا هـ .

                                                                                                                              سم ( قوله : ولو رآه ) إلى قوله فإن قلت في المغني ما يوافقه وإلى قول المتن وإلا فكمكره في النهاية ما يوافقه ( قوله : لأنه قد يتيقظ إلخ ) انظر لو صدر من القاضي ما يقطع بتيقظه وعدم غفلته كالمبادرة إلى إنكاره والمبالغة فيه . ا هـ . سم أقول مقتضى التعليل أنه لا يكلف بالإخبار ( قوله : وإلا لم يكلف ) وهو الظاهر ا هـ مغني ( قوله : بقوله إلخ ) متعلق بلم يكلف ( قول المتن : فلان ) هو كناية عن اسم علم لمن يعقل ومعناه واحد من الناس . ا هـ . مغني ( قوله : هنا ) أي : في مسائل الرفع إلى القاضي ( قوله : حتى مات أحدهما ) الأولى أحدهم ( قوله : مطلقا ) أي : تمكن من الرفع إليه قبل العزل أم لا . ا هـ . أسنى ( قوله : فخرج ) ظاهره وإن قل الخروج ولم يقصد الذهاب إلى محل آخر . ا هـ . ع ش ( قوله : الوصف إلخ ) وهو الكون في البلد في نفي التكليم [ ص: 61 ] والكون قاضيا فيما نحن فيه ( قوله : يتمكن ) إلى قوله فهو كلا أدخل في المغني وإلى الفصل في النهاية إلا قوله بأن يصل إلى بل قضية إلخ وقوله : لأنه إلى وإنما قيدوا ( قوله : أو تحجب القاضي ) أي : أو علم أنه لا يتمكن من الرفع إليه إلا بدراهم يغرمها له أو لمن يوصله إليه وإن قلت . ا هـ . ع ش ( قوله نوى عينه ) أي : خاصة وإنما ذكر القضاء للتعريف وأصل ذلك قول الأذرعي هنا صورتان إحداهما أن ينوي عين ذلك القاضي ويذكر القضاء تعريفا له فعبر بالرفع إليه بعد عزله قطعا ، والثانية أن يطلق ففي بره بالرفع إليه بعد عزله وجهان لتقابل النظر إلى التعيين والصفة ا هـ فالشارح أراد بما ذكره التعميم في الحكم بين الصورتين . ا هـ . رشيدي .




                                                                                                                              الخدمات العلمية