الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وشرط قبولها ) أي : شهادة الفرع على الأصل ( تعسر ) الأصل ( أو تعذر الأصل بموت أو عمى ) فيما لا يقبل فيه الأعمى [ ص: 277 ] ( أو مرض ) غير إغماء لما مر فيه ( يشق ) معه ( حضوره ) مشقة ظاهرة بأن يجوز ترك الجمعة كما قاله الإمام وإن اعترض ومن ثم كانت أعذار الجمعة أعذارا هنا ؛ لأن جميعها يقتضي تعسر الحضور قال الشيخان . وكذا سائر الأعذار الخاصة بالأصل فإن عمت الفرع أيضا كالمطر والوحل لم يقبل واعترضه الإسنوي وغيره بأنه قد يتحمل المشقة لنحو صداقة دون الأصل ويرد بأن المحل محل حاجة ومع شمول العذر لهما ينتفي كونه محل حاجة كما هو ظاهر .

                                                                                                                              ( أو غيبة لمسافة عدو ) يعني لفوقها كما في الروضة وغيرها ؛ لأن ما دونه في حكم البلد ( وقيل ) لمسافة ( قصر ) لذلك ويرد بمنعه في هذا الباب وإنما اشترطوها في غيبة ولي النكاح ؛ لأنه يمكنه التوكيل بلا مشقة بخلاف الأصل هنا ومر في التزكية قبول شهادة أصحاب المسائل بها عن آخرين في البلد وإن قلنا إنها شهادة على شهادة في البلد لمزيد الحاجة لذلك ولو حضر الأصل قبل الحكم تعينت شهادته ؛ لأن القدرة عليه تمنع الفرع ويتجه أن الحكم كذلك لو عاده القاضي كما لو برئ من مرضه . وإن فرق ابن أبي الدم ببقاء العذر هنا لا ثم ؛ لأنه بحضور القاضي عنده لم يبق هناك عذر حتى يقال إنه باق وليس ما ذكرنا هنا تكرارا مع ما مر آنفا من أن نحو موت الأصل وجنونه وعماه لا يمنع شهادة الفرع ؛ لأن ذلك في بيان طريان العذر وهذا في مسوغ الشهادة على الشهادة وإن علم ذاك من هذا كما مرت الإشارة إليه ( وأن يسمي ) الفرع ( الأصول ) في شهادته عليهم تسمية تميزهم ليعرف القاضي حالهم ويتمكن الخصم من القدح فيهم وفي وجوب تسمية قاض شهد عليه وجهان وصوب الأذرعي الوجوب في هذه الأزمنة لما غلب على القضاة من الجهل والفسق ( ولا يشترط أن يزكيه الفروع ) ولا أن يتعرضوا لصدقه فيما شهد به بل لهم إطلاق الشهادة والقاضي يبحث عن عدالته ( فإن زكوهم قبل ) ذلك منهم إن تأهلوا للتعديل إذ لا تهمة وإنما لم تقبل تزكية أحد شاهدين في واقعة للآخر ؛ لأنه قام بأحد شطري الشهادة فلا يقوم بالآخر وتزكية الفرع للأصل من تتمة شهادة الفرع ولذا شرطت على وجه .

                                                                                                                              ( تنبيه )

                                                                                                                              تفنن هنا بجمع الأصول والفروع تارة وإفراد كل أخرى [ ص: 278 ] ( ولو شهدوا على شهادة عدلين أو عدول ولم يسموهم لم يجز ) أي : لم يكف ؛ لأنه يسد باب الجرح على الخصم .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              [ ص: 277 ] قوله : واعترضه الإسنوي وغيره إلخ ) الأوجه ما قاله الإسنوي وغيره ش م ر وقوله : ويرد إلخ يتأمل . ( قوله : ينتفي كونه محل حاجة ) قد يمنع . ( قوله : وفي وجوب تسمية قاض شهد عليه وجهان وصوب الأذرعي إلخ ) عبارة القوت بخلاف ما لو قال أشهدني قاض من قضاة بغداد أو القاضي الذي ببغداد ولم يسمه وليس بها قاض سواه على نفسه في مجلس حكمه بكذا هل تسمع ؟ فيه وجهان والفرق أن القاضي عدل بالنسبة إلى كل أحد بخلاف شاهد الأصل فإنه قد يكون عند فرعه عدلا والحاكم يعرفه بالفسق فلا بد من تعيينه لينظر [ ص: 278 ] في أمره وعدالته والصواب في وقتنا تعيين القاضي لما يخفى ا هـ



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قول المتن بموت أو عمى ) هذان مثالان للتعذر ومثلهما الجنون المطبق والخرس الذي لا يفهم فلو قال كالموت كان أولى [ ص: 277 ] مغني . ( قول المتن أو مرض إلخ ) وخوف من غريم روض وشيخ الإسلام ومغني . ( قوله : لما مر فيه ) أي : من الفرق بين الطويل وغيره ع ش . ( قوله : بأن يجوز إلخ ) من التجويز ويحتمل أنه من الجواز أي : لأجله . ( قوله : وإن اعترض إلخ ) عبارة المغني قال الزركشي وما ذكره من ضابط المرض هنا نقله في أصل الروضة عن الإمام والغزالي وهو بعيد نقلا وعقلا وبين ذلك ثم قال على أن إلحاقه سائر أعذار الجمعة بالمرض لا يمكن القول به على الإطلاق فإن أكل ما له ريح كريه عذر في الجمعة ولا يقول أحد هنا بأن أكل شهود الأصل ذلك يسوغ سماع الشهادة على شهادتهم وسبقه إلى ذلك الأذرعي وقد يقال المراد من ذلك ما يشق معه الحضور ا هـ . ( قوله : ومن ثم كانت أعذار الجمعة إلخ ) تقدم التوقف في مثل العبارة ثم رأيت الأذرعي سبق إلى التوقف في ذلك بنحو ما قدمناه من شمول أكل ذي الريح الكريهة ثم قال ولا أحسب الأصحاب يسمحون بذلك أصلا وإنما تولد ذلك من إطلاق الإمام ومن تبعه انتهى ا هـ .

                                                                                                                              رشيدي عن السلطان عبارة البجيرمي ومن الأعذار في الجمعة الريح الكريهة ولم يقل أحد إنه عذر هنا فينبغي أن ينتظر هنا زواله لأن زمنه يسير ا هـ . ( قوله : وكذا سائر الأعذار ) وليس من الأعذار الاعتكاف كما اقتضاه كلامهم نهاية أي : ولو منذوراع ش . ( قوله : واعترضه الإسنوي وغيره إلخ ) وهو الأوجه نهاية وأسنى ومغني . ( قوله : ويرد إلخ ) يتأمل سم . ( قوله : ينتفي كونه محل حاجة ) قد يمنع سم أقول : وأيضا يعارض بأن يكون كل من الأصل وفرعه فوق مسافة العدوى فحضر الفرع لأداء الشهادة دون أصله . ( قوله : يعني لفوقها إلخ ) عبارة المغني تنبيه قوله : لمسافة عدو نسب فيه إلى سبق قلم وصوابه فوق مسافة العدوى كما هو في المحرر والروضة وغيرهما ا هـ . ( قوله : لأن ما دونه ) أي : دون الفوق . ( قوله : ومر في التزكية ) إلى التنبيه في المغني إلا قوله ويتجه إلى وليس . ( قوله : بها ) أي : بالتزكية . ( قوله : ولو حضر الأصل إلخ ) عبارة المغني والروض مع شرحه ولو شهد الفرع في غيبة الأصل ثم حضر أو قال لا أعلم أني تحملت أو نسيت أو نحو ذلك بعد الأداء للشهادة وقبل الحكم لم يحكم بها لحصول القدرة على الأصل في الأولى والريبة فيما عداها أو بعد الحكم بها لم يؤثر وإن كذبه الأصل بعد القضاء لم ينقض . قال ابن الرفعة : ويظهر أن يجيء في تغريمهم والتوقف في استيفاء العقوبة ما يأتي في رجوع الشهود بعد القضاء قال الأذرعي وهو ظاهر إلا أن يثبت أنه كذبه قبله فينقض قال الزركشي تفقها إلا أن يثبت أنه أشهده فلا ينقض ا هـ . ( قوله : وفي وجوب تسمية قاض إلخ ) عبارة المغني . ( تنبيه ) شمل إطلاق المصنف ما لو كان الأصل قاضيا كما لو قال أشهدني قاض من قضاة مصر أو القاضي الذي بها ولم يسمه وليس بها قاض سواه على نفسه في مجلس حكمه قال الأذرعي والصواب في وقتنا وجوب تعيين القاضي أيضا لما لا يخفى ا هـ . ( قوله : وجهان إلخ ) والفرق أن القاضي عدل بالنسبة إلى كل أحد بخلاف شاهد الأصل فإنه قد يكون عند فرعه عدلا والحاكم يعرفه بالفسق فلا بد من تعيينه لينظر في أمره وعدالته سم عن القوت . ( قوله : ولا أن يتعرضوا لصدقه إلخ ) لأنهم لا يعرفونه بخلاف ما إذا حلف [ ص: 278 ] المدعي مع شاهده حيث يتعرض لصدقه ؛ لأنه يعرفه شيخ الإسلام ومغني .

                                                                                                                              ( قول المتن ولو شهدوا إلخ ) فإن قيل كان ينبغي ذكر هذه المسألة عقب قوله وأن يسمي الأصول أجيب بأنه إنما أخرها ليفيد أن تزكية الفروع الأصول وإن جازت فلا بد من تعيينهم بالاسم ولو قدمه لم يكن صريحا في ذلك . ( تتمة ) لو اجتمع أصل وفرعا أصل آخر قدم عليهما في الشهادة كما لو كان معه ماء لا يكفيه يستعمله ثم يتيمم قاله صاحب الاستقصاء مغني وقوله : تتمة إلخ في الأسنى والنهاية مثله




                                                                                                                              الخدمات العلمية