الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
11617 5242 - (12028) - (3\106) عن أنس، قال اشتكى ابن لأبي طلحة، فخرج أبو طلحة إلى المسجد، فتوفي الغلام، فهيأت أم سليم الميت، وقالت لأهلها: لا يخبرن أحد منكم أبا طلحة بوفاة ابنه. فرجع إلى أهله ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه، قال: ما فعل الغلام؟ قالت: خير ما كان. فقربت إليهم عشاءهم فتعشوا، وخرج القوم، وقامت المرأة إلى ما تقوم إليه المرأة، فلما كان آخر الليل، قالت: يا أبا طلحة! ألم تر إلى آل فلان استعاروا عارية فتمتعوا بها، فلما طلبت كأنهم كرهوا ذاك؟! قال: ما أنصفوا. قالت: فإن ابنك كان عارية من الله - تبارك وتعالى - وإن الله قبضه. فاسترجع، وحمد الله، فلما أصبح، غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: " بارك الله لكما في ليلتكما " .

فحملت بعبد الله،
فولدته ليلا، وكرهت أن تحنكه حتى يحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فحملته غدوة ومعي تمرات عجوة، فوجدته يهنأ أباعر له، أو يسمها، [ ص: 108 ] فقلت: يا رسول الله! إن أم سليم ولدت الليلة، فكرهت أن تحنكه حتى يحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: " أمعك شيء " ، قلت: تمرات عجوة. فأخذ بعضهن فمضغهن، ثم جمع بزاقه فأوجره إياه، فجعل يتلمظ، فقال: " حب الأنصار التمر " ، قال: قلت: يا رسول الله! سمه، قال: " هو عبد الله " .


التالي السابق


* قوله : " اشتكى ابن لأبي طلحة " : أي: مرض، وهذا الابن هو أبو عمير صاحب النغير، كذا قالوا.

* قوله : " فهيأت " : - بتشديد الياء بعدها همزة - ; أي: فعلت ما يحتاج إليه أمر الميت من الغسل وغيره.

* " ما فعل الغلام؟ " : أي: ما حصل له؟ كأنه فاعل الذي يعرض له من الأحوال.

* " خير ما كان " : - بالنصب - ; أي: حاله خير مما كان; حيث كان في شدة النزع، وقد خلص منه بالموت، وفهم منه أبو طلحة أنه خف مرضه، وهذا من باب المعاريض المباحة عند الحاجة.

* " فقربت " : من التقريب.

* " عشاءهم " : بفتح العين - .

* " إلى ما تقوم إليه المرأة " : أي: من إصلاح نفسها للزوج.

* " ألم تر إلى فلان " : قال النووي: ضربها المثل بالعارية دليل لكمال علمها وفضلها، وعظم إيمانها وطمأنينتها.

* " فلما طلبت " : على بناء المفعول.

* " بعبد الله " : استجاب الله تعالى دعاء نبيه صلى الله عليه وسلم؟ فإنه جاء من أولاد عبد الله إسحاق وإخوته التسعة صالحين علماء - رضي الله تعالى عنهم أجمعين - .

* " أن تحنكه " : من التحنيك، وهو أن يمضغ شيء حلو حتى يصير مائعا

[ ص: 109 ] بحيث يبتلع، ثم يفتح فم المولود ويوضع فيه؟ ليدخل شيء منها جوفه.

* " هنء أباعر له " : ضبط - بفتح فسكون - على لفظ المصدر، وآخره همزة، وهو مصدر منصوب مضاف إلى ما بعده، والأباعر: جمع بعير، والظاهر أن تقديره: يهنأ الأباعر له هنئا، وهو أن يطليه بالقطران.

* " أو يسمها " : من الوسم، وفيه جواز وسم الحيوان ليتميز وليعرف، فيرده من وجده.

* " فأوجره " : أي: جعله في فمه.

* " يتلمظ " : أي: يحرك لسانه ليبتلع.

* " حب الأنصار التمر " : قال النووي: روي - بضم الحاء وكسرها، - فالكسر بمعنى المحبوب؟ كالذبح بمعنى المذبوح، وعلى هذا فالباء مرفوعة; أي: محبوب الأنصار التمر، وأما من ضم الحاء، فهو مصدر، وفي الباء على هذا وجهان: النصب، وهو الأشهر بتقدير: انظروا حب الأنصار، والرفع - على أنه مبتدأ حذف خبره; أي: حب الأنصار التمر عادة لهم من صغرهم، و " التمر " على الأول مرفوع، وعلى الوجهين الأخيرين منصوب.

وفي الحديث مناقب لأم سليم - رضي الله تعالى عنها - من عظيم صبرها، وحسن رضاها بقضاء الله، وجزالة عقلها في إخفاء موته على أبيه في أول الليل ليبيت مستريحا بلا حزن، ثم عشته وتعشت، ثم تصنعت له حتى أصابها.

* * *




الخدمات العلمية