الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
11322 5105 - (11730) - (3\76 - 77) عن أبي سعيد الخدري، قال: لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا في قريش وقبائل العرب، ولم يكن في الأنصار منها شيء، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم، حتى كثرت فيهم القالة، حتى قال قائلهم: لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه، فدخل عليه سعد بن عبادة، فقال: يا رسول الله! إن هذا الحي قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت، قسمت في قومك، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب، ولم يك في هذا الحي من الأنصار شيء، قال: " فأين أنت من ذلك يا سعد؟ " ، قال: يا رسول الله! ما أنا إلا امرؤ من قومي، وما أنا؟ قال: " فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة " ، قال: فخرج سعد، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة. قال: فجاء رجال من المهاجرين، فتركهم، فدخلوا، وجاء آخرون فردهم، فلما اجتمعوا، أتاه سعد، فقال: قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار. قال: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، وأثنى عليه بالذي هو له أهل، ثم قال: " يا معشر الأنصار! ما قالة بلغتني عنكم، وجدة وجدتموها في أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله؟ وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟ " ، قالوا: بل الله ورسوله أمن وأفضل. قال: " ألا تجيبونني يا معشر الأنصار؟ " قالوا: وبماذا نجيبك يا رسول الله، ولله ولرسوله المن والفضل؟ قال: " أما والله! لو شئتم لقلتم، فلصدقتم وصدقتم، آتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريدا

[ ص: 30 ] فآويناك، وعائلا فآسيناك، أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا، تألفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم؟ أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وترجعون برسول الله في رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده! لولا الهجرة، لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك الناس شعبا، وسلكت الأنصار شعبا، لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار " ، قال: فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرقوا.


التالي السابق


* قوله : " من تلك العطايا " : أي: مما حصلت من غنائم حنين.

* " لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه " : أي: فمال إليهم وأعرض عنا.

* " فأين أنت من ذلك؟ " : أي: مما عليه قومك.

* " امرؤ من قومي " : أي: أوافقهم في ذلك.

* " وما أنا " : أي: منفرد عنهم، ويحتمل أن المراد: فأين أنت من ذلك; أي: من أن ترد عليهم ذلك الرأي، وتبين لهم طريق الصواب؟ فأجاب: بأني واحد منهم، فلا أقدر عليه.

* " في هذه الحظيرة " : هي في الأصل: موضع يحاط عليه؟ لتأوي إليه الغنم والإبل تقيها البرد والريح، ولعل المراد هاهنا: الخيمة.

* " ألم آتكم " : أي: جئتكم.

* " ضلالا " : حال، و " عالة " : فقراء.

* " قال: ألا تجيبونني " : يريد أن يبين أنه ما نسي إحسانهم، وأن ما فعل من إيثار غيرهم بالأموال ليس مبنيا على النسيان.

* " فلصدقتم " : على بناء الفاعل; من الصدق.

* " ولصدقتم " على بناء المفعول; من التصديق.

[ ص: 31 ] * " مكذبا " : اسم مفعول، وهو حال.

* " طريدا " : أي: مخرجا من بلادك.

* " فآسيناك " : أي: راعيناك بالمال.

* " في لعاعة " : - بضم لام وبمهملتين - : الجرعة من الشراب، والمراد: الشيء اليسير، والقدر القليل.

* " حتى أخضلوا " : بلوا.

* " لحاهم " : - بكسر اللام أفصح من ضمها - : جمع لحية.

* * *




الخدمات العلمية