الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الثالث في استسقائه- صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة ، وبغير صلاة

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن إسحاق ، والإمام أحمد ، والشيخان ، عن أنس- رضي الله تعالى عنه- قال : «أصاب الناس سنة على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبينما رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة : قام أعرابي» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : «أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة ، من باب كان نحو دار القضاء ، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب ، فاستقبل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائما قال : يا رسول الله :

                                                                                                                                                                                                                              «هلكت الأموال» وفي لفظ : هلك المال . وفي لفظ : الماشية «هلك العيال ، هلك الناس» ، وفي لفظ : «وجاع العيال» وفي لفظ : «هلك الكراع ، وهلك النساء» وفي رواية : «فقام الناس ، فقالوا يا رسول الله قحط المطر واحمر الشجر ، وهلكت البهائم ، فادع الله أن يسقينا» وفي لفظ : «أن يغيثنا ، فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يديه» وفي لفظ : «فمد يديه حتى رأيت بياض إبطيه ، فقال : «اللهم اسقنا» وفي لفظ : «أغثنا» مرتين وفي لفظ : «ثلاثا» قال أنس : «وايم الله» وفي لفظ : «لا والله ما نرى في السماء قزعة ولا سحابا وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار ، فوالذي نفسي بيده ما وضع يديه حتى ثار السحاب ، أمثال الجبال» وفي رواية : «فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس ، فلما توسطت السماء انتشرت» ، وفي لفظ «فألف الله بين السحاب ومكثنا حتى رأيت الرجل الشديد تهمه نفسه أن يأتي أهله ثم أمطرت فلا والله ما رأينا الشمس سبتا» وفي لفظ «ما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى» . ثم دخل رجل ، وعند ابن إسحاق :

                                                                                                                                                                                                                              قام ذلك الرجل أو غيره من ذلك الباب في الجمعة المقبلة ، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب ، فاستقبله قائما ، فقال : يا رسول الله هلكت الأموال ، وانقطعت السبل ، فادع الله يمسكها عنا ، قال : فرفع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يديه ، ثم قال : «اللهم حوالينا ، ولا علينا ، اللهم على الآكام ، والظراب وبطون الأودية ، ومنابت الشجر» ، فتقشعت عن المدينة ، فجعلت تمطر حواليها ، وما تمطر بالمدينة قطرة ، فنظرت إلى المدينة ، وإنها لفي مثل الإكليل ، ورأيت السحاب يتمزق كأنه الملاء حين تطوى» وفي لفظ «فما يشير بيده إلى ناحية إلا تفرجت حتى رأيت المدينة مثل الجوبة ، وسال الوادي وادي قناة شهرا ، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث عن الجود ، وخرجنا نمشي في الشمس ، قال شريك : فسألت أنس بن مالك أهو الرجل الأول ؟ قال : لا أدري» . [ ص: 342 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو عوانة في صحيحه ، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص أن أباها- رضي الله تعالى عنه- حدثها «أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نزل واديا هشا لا ماء فيه ، وسبقه المشركون إلى القلائب فنزلوا عليها ، وأصاب العطش المسلمين ، فشكوا ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم- ونجم النفاق ، فقال بعض الناس : لو كان نبيا كما يزعم لاستقى لأمته ، كما استقى موسى لقومه ، فبلغ ذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال : «لو قالوها عسى ربكم أن يسقيكم» ، ثم بسط يديه وقال : «اللهم جللنا سحابا كثيفا قصيفا دلوقا ، حلوقا ، ضحوكا زبرجا تمطرنا منه أذاذا قطقطا سجلا بغاقا يا ذا الجلال والإكرام» فما رد يديه من دعائه حتى أظلتنا السحابة التي وصف تتلون في كل صفة وصف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من صفات السحاب ثم أمطرنا كالضروب التي سألها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأجمع السيل الوادي فشرب الناس فارتووا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو عوانة ، في صحيحه ، عن أبي لبابة- رضي الله تعالى عنه- قال : «استسقى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال أبو لبابة : يا رسول الله : إن التمر في المرابد ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده بإزاره» ، قال : وما نرى في السماء سحابا فأمطرت قال : فاجتمعوا إلى أبي لبابة فقالوا إنها لا تقلع حتى تقوم عريانا وتسد ثعلب مربدك بإزارك ، كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ففعل فأضحت .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية