الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              النوع الثاني : في مؤذنيه- صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال في «زاد المعاد» كان له- صلى الله عليه وسلم- أربعة مؤذنين ، اثنان في المدينة : بلال بن رباح ، وهو أول من أذن له ، وعمرو بن أم مكتوم ، القرشي ، العامري ، الأعمى ، وبقباء سعد القرظ مولى عمار بن ياسر ، وبمكة أبو محذورة ، واسمه أوس بن مغيرة الجمحي ، وكان أبو محذورة يرجع الأذان ، ويثني الإقامة ، وبلال لا يرجع ، ويفرد الإقامة ، فأخذ الشافعي ، وأهل مكة ، بأذان أبي محذورة وإقامة بلال ، وأخذ أبو حنيفة وأهل العراق بأذان بلال وإقامة أبي محذورة ، وأخذ أحمد ، وأهل الحديث ، وأهل المدينة ، بأذان بلال وإقامته ، وخالفهم مالك في الموضعين : إعادة التكبير ، وتثنية الإقامة؛ فإنه لا يكررها . [ ص: 87 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن السائب بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- قال : «لم يكن لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا مؤذن واحد ، في الصلوات كلها ، في الجمعة وغيرها يؤذن ، ويقيم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى مسدد عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- مؤذنان : بلال ، وأبو محذورة» .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه مسلم ، وأبو داود بلفظ : « بلال وابن أم مكتوم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة - برجال ثقات- عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة مؤذنين : بلال ، وأبو محذورة ، وابن أم مكتوم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد بن حميد ، والطبراني ، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : أبطأ بلال يوما بالأذان فأذن رجل ، فجاء بلال فأراد أن يقيم ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «يقيم من أذن» .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ أبو بكر الخطيب : «هذا الرجل المبهم زياد بن الحارث» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن أبي محذورة- رضي الله تعالى عنه- قال : «جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الأذان لنا ولموالينا» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار عن أبي أسيد- رضي الله تعالى عنه- قال : «لما قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مكة جاءه أبو محذورة ، فقال : يا رسول الله ائذن لي أن أؤذن ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أذن ، فكان بلال يؤذن ، فلما رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تخلف أبو محذورة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد ، والبيهقي ، والنسائي ، وأبو الشيخ ، وابن حبان واللفظ لهما ، عن أبي محذورة- رضي الله تعالى عنه- قال : «خرجت في نفر؛ فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من حنين ، فلقينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ببعض الطريق ، فأذن مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالصلاة عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فصرخنا نحكيه ونهزأ به؛ فسمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصوت ، فأرسل إلينا حتى وقفنا [ ص: 88 ] بين يدي النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال : أيكم الذي سمعت صوته قد ارتفع ؟ فأشار القوم إلي- وصدقوا- فأرسلهم كلهم فحبسني ، فقال : قم فأذن ، فقمت ولا شيء إلي أكره من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا مما يأمرني به ، فقمت بين يدي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فألقى علي التأذين بنفسه ، فقال : قل : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، أشهد أن محمدا رسول الله ، حي على الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله .

                                                                                                                                                                                                                              ثم دعاني حين قضيت التأذين ، فأعطاني صرة فيها شيء من فضة ، ثم وضع يده على ناصيتي ، ثم أمرها على وجهي ، ثم على كبدي ، ثم بلغت يد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سرتي ، ثم قال : «بارك الله فيك وبارك عليك» فقلت : يا رسول الله ، «مرني بالتأذين بمكة » ، قال : «أمرتك به» ، وذهب كل شيء كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- من كراهته ، وعاد ذلك كله محبة لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بمكة ؛ فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم»
                                                                                                                                                                                                                              .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الدارقطني عن سعد بن عائذ ، ويعرف بسعد القرظ- رضي الله تعالى عنه- قال :

                                                                                                                                                                                                                              «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يا سعد ، إذا لم تر بلالا معي فأذن ، ومسح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رأسه وقال : «بارك الله فيك ، إذا لم تر بلالا فأذن» .

                                                                                                                                                                                                                              وروي أيضا- بسند ضعيف- عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : «كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- مؤذن يطرب ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : الأذان سهل سمح ، فإن كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن» .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية