الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ) أي ( ولو ردوا ) إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار وتمنيهم الرد ، لعادوا لما نهوا عنه من الكفر . قال الزمخشري : والمعاصي انتهى . فأدرج الفساق الذين لم يتوبوا في الموقوفين على النار المتمنين الرد على مذهبه الاعتزالي ، وهذه الجملة إخبار عن أمر لا يكون كيف كان يؤخذ ، وهذا النوع مما استأثر الله بعلمه ، فإن أعلم بشيء منه ، علم ، وإلا لم يتكلم فيه . قال ابن القشيري : لعادوا لما نهوا عنه ) من الشرك ، لعلم الله فيهم وإرادته أن لا يؤمنوا في الدنيا ، وقد عاين إبليس ما عاين من آيات الله ثم عاند . وقال الواحدي : هذه الآية من الأدلة الظاهرة على المعتزلة على فساد قولهم ، وذلك أنه تعالى أخبر عن قوم جرى عليهم قضاؤه في الأزل بالشرك ، ثم بين أنهم لو شاهدوا النار والعذاب ، ثم سألوا الرجعة وردوا إلى الدنيا ، لعادوا إلى الشرك ، وذلك للقضاء السابق فيهم ، وإلا فالعاقل لا يرتاب فيما شاهد انتهى . وأورد هنا سؤالا ، وأظنه للمعتزلة ، وهو كيف يمكن أن يقال : ولو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى الكفر بالله وإلى معصيته وقد عرفوا الله بالضرورة وشاهدوا أنواع العقاب ؟ وأجاب القاضي : بأن التقدير ، ولو ردوا إلى حالة التكليف ، وإنما يحصل الرد إلى هذه الحالة ، لو لم يحصل في القيامة معرفة الله بالضرورة ، ومشاهدة الأهوال وعذاب جهنم ، فهذا الشرط يكون مضمرا في الآية لا محالة . وضعف جواب القاضي ، بأن المقصود من الآية غلوهم في الإصرار على الكفر ، وعدم الرغبة في الإيمان ، ولو قدرنا عدم معرفة الله في القيامة ، وعدم مشاهدة الأهوال يوم القيامة ، لم يكن في إصرار القوم على كفرهم مزيد تعجب; لأن إصرارهم على الكفر يجري مجرى إصرار سائر الكفار على الكفر في الدنيا ، فعلمنا أن الشرط الذي ذكره القاضي لا يمكن اعتباره البتة انتهى . وإنما المعنى ( ولو ردوا ) ، وقد عرفوا الله بالضرورة ، وعاينوا العذاب ، وهم مستحضرون ذلك ، ذاكرون له ، لعادوا لما نهوا عنه من الكفر . وقرأ إبراهيم ويحيى بن وثاب والأعمش ( ولو ردوا ) بكسر الراء ، على نقل حركة الدال من ( ردد ) إلى الراء .

( وإنهم لكاذبون ) . تقدم الكلام على هذه الجملة ، وهل التكذيب راجع إلى ما تضمنته جملة التمني من الوعد بالإيمان ، أو ذلك إخبار من الله تعالى عن عادتهم وديدنهم وما هم عليه من الكذب في مخاطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون ذلك منقطعا عما قبله من الكلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية