الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ) الأوزار : الخطايا والآثام قاله ابن عباس . والظاهر أن هذا الحمل حقيقة وهو قول عمير بن هانئ وعمرو بن قيس الملائئ والسدي واختاره الطبري وما ذكره محصوله أن عمله يمثل في صورة رجل قبيح الوجه والصورة خبيث الريح فيسأله فيقول : أنا عملك طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك فيركبه ويتخطى به رقاب الناس ويسوقه حتى يدخله النار ورواه أبو هريرة عن النبي بهذا المعنى واللفظ مختلف ، وقيل : هو مجاز عبر بحمل الوزر عن ما يجده من المشقة والآلام بسبب ذنوبه والمعنى أنهم يقاسون عقاب ذنوبهم مقاساة تثقيل عليهم وهذا القول بدأ به ابن عطية ولم يذكر الزمخشري غيره قال كقوله : ( فبما كسبت أيديكم ) لأنه اعتيد حمل الأثقال على الظهور كما ألف الكسب بالأيدي والواو في ( وهم ) واو الحال وأتت الجملة مصدرة بالضمير لأنه أبلغ في النسبة إذ صار ذو الحال مذكورا مرتين من حيث المعنى وخص الظهر لأنه غالبا موضع اعتياد الحمل ولأنه يشعر بالمبالغة في ثقل المحمول إذ يطيق من الحمل الثقيل ما لا تطيقه الرأس ولا الكاهل كما قال ( فلمسوه بأيديهم ) لأن اللمس أغلب ما يكون باليد ولأنها أقوى في الإدراك .

( ألا ساء ما يزرون ) ( ساء ) هنا تحتمل وجوها ثلاثة . أحدها : أن تكون المتعدية المتصرفة ووزنها ( فعل ) بفتح العين والمعنى ألا ساءهم [ ص: 108 ] ما يزرون ، وتحتمل ( ما ) على هذا الوجه أن تكون موصولة بمعنى الذي ، فتكون فاعلة ، ويحتمل أن تكون ( ما ) مصدرية ، فينسبك منها وما بعدها مصدر ، هو الفاعل; أي ألا ساءهم وزرهم . والوجه الثاني : أنها حولت إلى ( فعل ) ، بضم العين ، وأشربت معنى التعجب ، والمعنى ألا ما أسوأ الذي يزرونه ، أو ما أسوأ وزرهم ، على الاحتمالين في ( ما ) . والثالث : أنها أيضا حولت إلى ( فعل ) ، بضم العين ، وأريد بها المبالغة في الذم ، فتكون مساوية لـ ( بئس ) في المعنى والأحكام ، ويكون إطلاق الذي سبق في ( ما ) ، في قوله : ( بئسما اشتروا به أنفسهم ) جاريا فيها هنا ، والفرق بين هذا الوجه ، والوجه الذي قبله; أن الذي قبله لا يشترط فيه ما يشترط في فاعل ( بئس ) من الأحكام ، ولا هو جملة منعقدة من مبتدأ وخبر ، إنما هو منعقد من فعل وفاعل . والفرق بين هذين الوجهين والأول; أن في الأول الفعل متعد ، وفي هذين قاصر ، وأن الكلام فيه خبر ، وهو في هذين إنشاء ، وجعله الزمخشري من باب ( بئس ) فقط ، فقال : ساء ما يزرون; بئس شيئا يزرون وزرهم ، كقوله : ( ساء مثلا القوم ) . وذكر ابن عطية هذا الوجه احتمالا أخيرا ، وبدأ بأن ( ساء ) متعدية ، و ( ما ) فاعل ، كما تقول : ساء في هذا الأمر ، وأن الكلام خبر مجرد; قال كقول الشاعر :


رضيت خطة خسف غير طائلة فساء هذا رضا يا قيس غيلانا

ولا يتعين ما قال في البيت من أن الكلام فيه خبر مجرد ، بل يحتمل قوله : فساء هذا رضا ، الأوجه الثلاثة . وافتتحت هذه الجملة بـ ( ألا ) تنبيها وإشارة لسوء مرتكبهم ، فألا تدل على الإشارة بما يأتي بعدها ، كقوله : ألا فليبلغ الشاهد الغائب ، ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ) ، ألا لا يجهلن أحد علينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية