الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ) . أي : مضت واستمرت من قولهم تم على الأمر إذا مضى عليه ، قال مجاهد : المعنى ما سبق لهم في علمه وكلامه في الأزل من النجاة من عدوهم والظهور عليه ، وقال المهدوي وتبعه الزمخشري : الكلمة قوله تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ) إلى قوله : ( ما كانوا يحذرون ) . وقيل : هي قوله : ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ) الآية ، وقيل : الكلمة النعمة ، والحسنى تأنيث الأحسن وهي صفة للكلمة وكانت الحسنى ؛ لأنها وعد بمحبوب . قاله الكرماني ، والمعنى : على من بقي من مؤمني بني إسرائيل ( بما صبروا ) ، أي : بصبرهم ، وقرأ الحسن كلمات على الجمع ورويت عن عاصم ، وأبي عمرو ، قال الزمخشري : ونظيره ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) . انتهى . يعني [ ص: 377 ] نظير وصف الجمع بالمفرد المؤنث ولا يتعين ما قاله من أن الكبرى نعت لآيات ربه إذ يحتمل أن يكون مفعولا لقوله رأى ، أي الآية الكبرى ، فيكون في الأصل نعتا لمفرد مؤنث لا يجمع ، وهو أبلغ في الوصف .

( ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون ) ، أي : خربنا قصورهم وأبنيتهم بالهلاك ، والتدمير : الإهلاك وإخراب الأبنية ، وقيل : ما كان يصنع من التدبير في أمر موسى - عليه السلام - وإخماد كلمته . وقيل : المراد إهلاك أهل القصور والمواضع المنيعة ، وإذا هلك الساكن هلك المسكون ( وما كانوا يعرشون ) ، أي : يرفعون من الأبنية المشيدة كصرح هامان وغيره ، وقال الحسن : المراد عرش الكروم ، ومنه ( جنات معروشات ) ، وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر بضم الراء وباقي السبعة ، والحسن ، ومجاهد ، وأبو رجاء بكسر الراء هنا ، وفي النحل ، وهي لغة الحجاز ، وقال اليزيدي : هي أفصح ، وقرأ ابن أبي عبلة ( يعرشون ) بضم الياء وفتح العين وتشديد الراء وانتزع الحسن من هذه الآية أنه ينبغي أن لا يخرج على ملوك السماء وإنما ينبغي أن نصبر لهم ، وعليهم فإن الله يدمرهم ، وروي عنه وعن غيره : إذا قابل الناس البلاء بمثله ، وكلهم الله إليه ، وإذا قابلوه بالصبر وانتظار الفرج أتى الفرج ، قال الزمخشري : وبلغني أنه قرأ بعض الناس ( يغرسون ) من غرس الأشجار وما أحسبه إلا تصحيفا ، وهذا آخر ما اقتص الله تعالى من نبأ فرعون والقبط وتكذيبهم بآيات الله وظلمهم ومعارضته ، ثم أتبعه اقتصاص نبأ بني إسرائيل وما أحدثوه بعد إنقاذهم من مملكة فرعون ، واستعباده ، ومعاينتهم الآيات العظام ومجاوزتهم البحر من عبادة البقر ، وطلب رؤية الله جهرة ، وغير ذلك من أنواع الكفر والمعاصي ليعلم حال الإنسان ، وأنه كما وصف ظلوم كفار جهول كفور إلا من عصمه الله تعالى و ( وقليل من عبادي الشكور ) وليسلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما رأى من بني إسرائيل بالمدينة .

التالي السابق


الخدمات العلمية