الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها ) لما قال موسى - عليه السلام - ( عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض ) كان كما ترجى موسى فأغرق أعداءهم في اليم ، واستخلف بني إسرائيل في الأرض ( الذين كانوا يستضعفون ) هم بنو إسرائيل كان فرعون يستعبدهم ويستخدمهم ، والاستضعاف طلب الضعيف بالقهر كثر استعماله حتى قيل استضعفه ، أي : وجده ضعيفا ( مشارق الأرض ومغاربها ) قالت فرقة : هي الأرض كلها ، قال ابن عطية : ذلك على سبيل المجاز ؛ لأنه تعالى ملكهم بلادا كثيرة ، وأما على الحقيقة فإنه ملك ذريتهم وهو سليمان بن داود ، وقال الحسن أيضا : ( مشارق الأرض ) الشام ( ومغاربها ) ديار مصر ، ملكهم الله إياها بإهلاك الفراعنة والعمالقة ، وقاله الزمخشري قال : وتصرفوا فيها كيف شاءوا في أطرافها ونواحيها الشرقية والغربية ، وقال الحسن أيضا ، وقتادة ، وغيرهما : هي أرض الشام ، وفي كتاب النقاش عن الحسن : أرض مصر والبركة فيها بالماء والشجر . قاله ابن عباس ، وذيله غيره فقال : بالخصب والأنهار وكثرة الأشجار وطيب الثمار ، وقيل : البركة بإقدام الأنبياء وكثرة مقامهم بها ودفنهم فيها ، وهذا يتخرج على من قال أرض الشام ، وقيل : ( باركنا ) جعلنا الخير فيها دائما ثابتا ، وهذا يشير إلى أنها مصر . وقال الليث هي مصر بارك الله فيها بما يحدث عن نيلها من الخيرات وكثرة الحبوب والثمرات ، وعن عمر رضي الله عنه أن نيل مصر سيد الأنهار في حديث طويل ، وروي أنه كانت الجنات بحافتي هذا النيل من أوله إلى آخره في البرين جميعا ما بين أسوان إلى رشيد وكانت الأشجار متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء . وقال أبو بصرة الغفاري : مصر خزائن الأرض كلها ، ألا ترى إلى قول يوسف - عليه السلام - ( اجعلني على خزائن الأرض ) ويروى أن عيسى - عليه السلام - أقام بها اثنتي عشرة سنة ، وذلك أن الله أوحى إلى مريم أن الحقي بمصر وأرضها ، وذكر أنها الربوة التي قال تعالى : ( وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين ) . وقال ابن عمر : البركات عشر ففي مصر تسع ، وفي الأرض كلها واحدة ، وانتصاب مشارق على أنه مفعول ثان لأورثنا و ( التي باركنا ) نعت لمشارق الأرض ومغاربها ، وقول الفراء : إن انتصاب ( مشارق ) والمعطوف عليها على الظرفية والعامل فيهما هو ( يستضعفون ) و ( التي باركنا ) هو المفعول الثاني ، أي : الأرض التي باركنا فيها تكلف وخروج عن الظاهر بغير دليل ، ومن أجاز أن تكون ( التي ) نعتا للأرض فقوله ضعيف للفصل بالعطف بين المنعوت ونعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية