الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا ) جواب ( لو ) محذوف ، كما حذف في قوله : ( ولو ترى ) أولا ، وذلك مجاز عن الحبس والتوبيخ والسؤال ، كما يقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاقبه ، وقد تعلق بعض المشبهة بهذه الآية ، وقالوا : ظاهرها يدل على أن الله في حيز ومكان; لأن أهل القيامة يقفون عنده ، وبالقرب منه ، وذلك يدل على كونه ، بحيث يحضر في مكان تارة ، ويغيب عنه أخرى . قال أبو عبد الله الرازي : وهذا خطأ; لأن ظاهر الآية يدل على كونهم واقفين على الله ، كما يقف أحدنا على الأرض ، وذلك يدل على كونه مستعليا على ذات الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا ، وأنه باطل بالاتفاق ، فوجب المصير إلى التأويل ، فيكون المراد ، إذا وقفوا على ما وعدهم ربهم من عذاب الكافرين ، وثواب المؤمنين ، وعلى ما أخبر به من أمر الآخرة ، أو يكون المراد وقوف المعرفة انتهى . وهذان التأويلان ذكرهما الزمخشري . وقال ابن عطية : على حكمه وأمره انتهى . وقيل : على مسألة ربهم إياهم عن أعمالهم . وقيل : لمسألة [ ص: 106 ] ملائكة ربهم ، وقيل : على حساب ربهم قال : ( أليس هذا بالحق ) الظاهر أن الفاعل بقال هو الله فيكون السؤال منه تعالى لهم ، وقيل : السؤال من الملائكة فكأنه عائد على من وقفهم على الله من الملائكة أي قال : من وقفهم من الملائكة . وقال الزمخشري : قال : مردود على من قال قائل قال ماذا قال لهم ربهم إذ وقفوا عليه ؟ فقيل : ( أليس هذا بالحق ) وهذا تعيير من الله لهم على التكذيب وقولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث والجزاء ما هو بحق وما هو إلا باطل انتهى . ويحتمل عندي أن تكون الجملة حالية ، التقدير ( إذ وقفوا على ربهم ) قائلا لهم ( أليس هذا بالحق ) والإشارة بهذا إلى البعث ومتعلقاته . وقال أبو الفرج بن الجوزي : أليس هذا العذاب بالحق وكأنه لاحظ قوله قال : ( فذوقوا العذاب ) قالوا : ( بلى وربنا ) تقدم الكلام على بلى; وأكدوا جوابهم باليمين في قولهم ( وربنا ) وهو إقرار بالإيمان حيث لا ينفع وناسب التوكيد بقولهم ( وربنا ) صدر الآية في ( وقفوا على ربهم ) وفي ذكر الرب تذكار لهم في أنه كان يربيهم ويصلح حالهم إذا كان سيدهم وهم عبيده لكنهم عصوه وخالفوا أمره .

التالي السابق


الخدمات العلمية