الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون ) وإنما لم يعاجل موسى وقومه بالقتال ؛ لأنه كان مليء من موسى رعبا ، والمعنى : أنه قال سنعيد عليهم ما كنا فعلنا بهم قبل من قتل أبنائهم ليقل رهطه الذين يقع الإفساد بواسطتهم ، والفوقية هنا بالمنزلة والتمكن في الدنيا و ( قاهرون ) يقتضي تحقيرهم ، أي : قاهرون لهم قهرا أقل من أن نهتم به فنحن على ما كنا عليه من الغلبة ، أو أن غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا واستيلائنا ، ولئلا يتوهم العامة أنه المولود الذي تحدث المنجمون عنه ، والكهنة بذهاب ملكنا على يده فيثبطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتباعه وإنه منتظر بعد وشدد ( سنقتل ) ، ( ويقتلون ) الكوفيون [ ص: 368 ] والعربيان ، وخففهما نافع وخفف ابن كثير ( سنقتل ) وشدد ( ويقتلون ) .

( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ) لما توعدهم فرعون جزعوا وتضجروا فسكنهم موسى - عليه السلام - وأمرهم بالاستعانة بالله وبالصبر وسلاهم ووعدهم النصر ، وذكرهم ما وعد الله بني إسرائيل من إهلاك القبط وتوريثهم أرضهم وديارهم .

( إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ) . أي : أرض مصر وأل فيه للعهد ، وهي الأرض التي كانوا فيها ، وقيل : الأرض أرض الدنيا ، فهي على العموم ، وقيل : المراد أرض الجنة لقوله : ( وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء ) وتعدى ( استعينوا ) هنا بالباء ، وفي ( وإياك نستعين ) بنفسه ، وجاء : اللهم إنا نستعينك .

( والعاقبة للمتقين ) قيل : النصر والظفر ، وقيل : الدار الآخرة ، وقيل : السعادة والشهادة ، وقيل : الجنة ، وقال الزمخشري : الخاتمة المحمودة ( للمتقين ) منهم ومن القبط وإن المشيئة متناولة لهم . انتهى . وقرأت فرقة ( يورثها ) بفتح الراء ، وقرأ الحسن ( يورثها ) بتشديد الراء على المبالغة ورويت عن حفص ، وقرأ ابن مسعود ، وأبي ( والعاقبة ) بالنصب عطفا على ( أن الأرض ) وفي وعد موسى تبشير لقومه بالنصر وحسن الخاتمة ، ونتيجة طلب الإعانة توريث الأرض لهم ، ونتيجة الصبر العاقبة المحمودة والنصر على من عاداهم ، فلذلك كان الأمر بشيئين ينتج عنهما شيئان . قال الزمخشري : فإن قلت : لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الذي قبلها ؟ قلت : هي جملة مبتدأة مستأنفة ، وأما ( وقال الملأ ) فمعطوفة على ما سبقها من قوله : ( قال الملأ من قوم فرعون ) . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية