الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون ) الأخذ : التناول باليد ومعناه هنا الابتلاء في المدة التي كان أقام بينهم موسى يدعوهم إلى الله ، ومعنى بالسنين : بالقحوط والجدوب ، والسنة تطلق على الحول وتطلق على الجدب ضد الخصب وبهذا المعنى تكون من الأسماء الغالبة كالنجم والدبران ، وقد اشتقوا منها بهذا المعنى فقالوا أسنت القوم إذا أجدبوا ، ومنه قوله :


ورجال مكة مسنتون عجاف

وقال حاتم :


فإنا نهين المال من غير ضنة     ولا يشتكينا في السنين ضريرها



وفي سنين لغتان أشهرهما إعرابها بالواو رفعا والياء جرا ونصبا ، وقد تكلف النحاة علة لكونها جمعت هذا الجمع ، والأخرى جعل الإعراب في النون والتزام الياء في الأحوال الثلاثة ، نقلها أبو زيد والفراء ، وقال الفراء : هي في هذه اللغة مصروفة عند بني عامر ، وغير مصروفة عند غيرهم ، والكلام على ذلك أمعن في كتب النحو ، وكان هذا الجدب سبع سنين ، قال ابن عباس ، وقتادة : أما السنون فكانت لباديتهم ومواشيهم ، وأما نقص الثمرات فكان في أمصارهم وهذه سيرة الله في الأمم يبتليها بالنقم ليزدجروا ويتذكروا بذلك ما كانوا فيه من النعم ، فإن الشدة تجلب الإنابة والخشية ورقة القلب والرجوع إلى طلب لطف الله وإحسانه ، وكذا فعل بقريش حين دعا عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف . وروي أنه يبس لهم كل شيء حتى نيل مصر ، ونقصوا من الثمرات حتى كانت النخلة تحمل الثمرة الواحدة ، ومعنى ( لعلهم يذكرون ) رجاء لتذكرهم وتنبههم على أن ذلك الابتلاء إنما هو لإصرارهم على الكفر وتكذيبهم بآيات الله فيزدجروا .

التالي السابق


الخدمات العلمية