الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (30) قوله : أولم ير : قرأ ابن كثير "ألم ير" من غير واو. والباقون بالواو بين همزة الاستفهام و "لم". ونظير حذف الواو وإثباتها هنا ما تقدم في البقرة وآل عمران في قوله "قالوا اتخذ الله ولدا" "سارعوا إلى مغفرة" وقد تقدم حكم ذلك. والرؤية هنا يجوز أن تكون قلبية، وأن تكون بصرية. فـ "أن" وما في حيزها سادة مسد مفعولين عند الجمهور على الأول، ومسد واحد والثاني محذوف، عند الأخفش، وسادة مسد واحد فقط على الثاني.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "كانتا" الضمير يعود على السماوات والأرض بلفظ التثنية، والمتقدم جمع. وفي ذلك أوجه أحدها: ما ذكره الزمخشري فقال: "وإنما قيل "كانتا" دون "كن" لأن المراد جماعة السماوات وجماعة الأرضين. ومنه قولهم: "لقاحان سوداوان" أي: جماعتان. فعل في المضمر نحو ما فعل في المظهر. الثاني: قال أبو البقاء: "الضمير يعود على الجنسين". الثالث: قال الحوفي: "قال: كانتا رتقا والسماوات جمع لأنه أراد الصنفين. قال الأسود ابن [ ص: 148 ] يعفر:


                                                                                                                                                                                                                                      3336 - إن المنية والحتوف كلاهما يوفي المخارم يرقبان سوادي



                                                                                                                                                                                                                                      لأنه أراد النوعين، وتبعه ابن عطية في هذا فقال: "وقال: "وكانتا" من حيث هما نوعان. ونحوه قول عمرو بن شييم:


                                                                                                                                                                                                                                      3337 - ألم يحزنك أن حبال قيس     وتغلب قد تباينتا انقطاعا



                                                                                                                                                                                                                                      ورتقا: خبر. ولم يثن لأنه في الأصل مصدر. ثم لك أن تجعله قائما مقام المفعول كالخلق بمعنى المخلوق، أو تجعله على حذف مضاف أي: ذواتي رتق. وهذه قراءة الجمهور.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن وزيد بن علي وأبو حيوة وعيسى "رتقا" بفتح التاء وفيه وجهان، أحدهما: أنه مصدر أيضا، ففيه الوجهان المتقدمان في الساكن التاء. والثاني: أنه فعل بمعنى مفعول كالقبض والنقض بمعنى المقبوض والمنقوض، وعلى هذا فكان ينبغي أن يطابق بخبره في التثنية. وأجاب الزمخشري عن ذلك فقال: "هو على تقدير موصوف أي: كانتا شيئا رتقا". ورجح بعضهم [ ص: 149 ] المصدرية بعدم المطابقة في التثنية، وقد عرفت جوابه. وله أن يقول: الأصل عدم حذف الموصوف فلا يصار إليه دون ضرورة.

                                                                                                                                                                                                                                      والرتق: الانضمام. ارتتق حلقه: أي: انضم. وامرأة رتقاء أي: منسدة الفرج، فلم يمكن جماعها من ذلك. والفتق: فصل ذلك المرتتق، وهو من أحسن البديع هنا; حيث قابل الرتق بالفتق. قال الزمخشري: "فإن قلت: متى رأوهما رتقا حتى جاء تقريرهم بذلك؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أنه وارد في القرآن الذي هو معجز في نفسه، فقام مقام المرئي المشاهد. والثاني: أن تلاصق السماء والأرض وتباينهما كلاهما جائز في العقل فلا بد للتباين دون التلاصق من مخصص وهو القديم سبحانه".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" يجوز في "جعل" هذه أن تكون بمعنى "خلق" فتتعدى لواحد وهو كل شيء، و "من الماء" متعلق بالفعل قبله. ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من "كل شيء" لأنه في الأصل يجوز أن يكون وصفا له، فلما قدم عليه نصب على الحال. ومعنى خلقه من الماء أحد شيئين: إما شدة احتياج كل حيوان للماء فلا يعيش بدونه، وإما لأنه مخلوق من النطفة التي تسمى ماء. ويجوز أن تكون "جعل" بمعنى صير فتتعدى لاثنين، ثانيهما الجار بمعنى: أنا صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه.

                                                                                                                                                                                                                                      والعامة على خفض "حي" صفة لشيء. وقرأ حميد بنصبه على أنه مفعول ثان لـ جعلنا. والظرف لغو. ويبعد على هذه القراءة أن يكون "جعل" بمعنى "خلق"، وأن ينتصب "حيا" على الحال.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية