الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (6) قوله : ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم : في رفع "أنفسهم" وجهان، أحدهما: أنه بدل من "شهداء"، ولم يذكر الزمخشري في غضون كلامه غيره. والثاني: أنه نعت له، على أن "إلا" بمعنى "غير". قال أبو البقاء: "ولو قرئ بالنصب لجاز على أن يكون خبر كان، أو منصوبا على الاستثناء. وإنما كان الرفع هنا أقوى; لأن "إلا" هنا صفة للنكرة كما ذكرنا في سورة الأنبياء". قلت: وعلى قراءة الرفع يحتمل أن تكون "كان" ناقصة، وخبرها الجار، وأن تكون تامة أي: ولم يوجد لهم شهداء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة "يكن" بالياء من تحت، وهو الفصيح; لأنه إذا أسند الفعل لما بعد "إلا" على سبيل التفريغ وجب عند بعضهم التذكير في الفعل نحو: "ما قام إلا هند" ولا يجوز: ما قامت، إلا في ضرورة كقوله:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 385 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3433 - . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. وما بقيت إلا الضلوع الجراشع



                                                                                                                                                                                                                                      أو في شذوذ كقراءة الحسن: "لا ترى إلا مساكنهم" وقرئ "ولم تكن" بالتاء من فوق وقد عرفت ما فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فشهادة أحدهم" في رفعها ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون مبتدأ، وخبره مقدر التقديم أي: فعليهم شهادة، أو مؤخره أي: فشهادة أحدهم كافية أو واجبة. الثاني: أن يكون خبر مبتدأ مضمر أي: فالجواب شهادة أحدهم. الثالث: أن يكون فاعلا بفعل مقدر أي: فيكفي. والمصدر هنا مضاف للفاعل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة "أربع شهادات" بالنصب على المصدر. والعامل فيه "شهادة" فالناصب للمصدر مصدر مثله، كما تقدم في قوله "فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا". وقرأ الأخوان وحفص برفع "أربع" على أنها خبر المبتدأ، وهو قوله: "فشهادة".

                                                                                                                                                                                                                                      ويتخرج على القراءتين تعلق الجار في قوله: "بالله" ، فعلى قراءة النصب يجوز فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يتعلق بشهادات; لأنه أقرب إليه. والثاني: أنه متعلق بقوله: "فشهادة" أي: فشهادة أحدهم بالله. ولا يضر الفصل بـ "أربع" لأنها معلومة للمصدر فليست أجنبية. والثالث: أن المسألة [ ص: 386 ] من باب التنازع; فإن كلا من شهادة وشهادات تطلبه من حيث المعنى، وتكون المسألة من إعمال الثاني للحذف من الأول، وهو مختار البصريين. وعلى قراءة الرفع يتعين تعلقه بشهادات; إذ لو علقته بشهادة لزم الفصل بين المصدر ومعموله بالجر، ولا يجوز لأنه أجنبي. ولم يختلف في "أربع" الثانية وهي قوله "أن تشهد أربع شهادات" أنها منصوبة للتصريح بالعامل فيها. وهو الفعل.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية