الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (8) قوله : نودي : في القائم مقام الفاعل ثلاثة أوجه، أحدها: أنه ضمير موسى، وهو الظاهر. وفي " أن " حينئذ ثلاثة أوجه، أحدها: أنها المفسرة لتقدم ما هو بمعنى القول. والثاني: أنها الناصبة للمضارع، ولكن وصلت هنا بالماضي. وتقدم تحقيق ذلك، وذلك على إسقاط الخافض أي: نودي موسى بأن بورك. الثالث: أنها المخففة، واسمها ضمير الشأن، و "بورك" خبرها، ولم يحتج هنا إلى فاصل; لأنه دعاء، وقد تقدم نحوه في النور في قوله: "أن غضب" في قراءته فعلا ماضيا.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الزمخشري: "فإن قلت: هل يجوز أن تكون المخففة من الثقيلة، والتقدير: بأنه بورك. والضمير ضمير الشأن والقصة؟ قلت: لا لأنه لا بد من "قد". فإن قلت: فعلى إضمارها؟ قلت: لا يصح لأنها علامة ولا تحذف". انتهى. فمنع أن تكون مخففة لما ذكر، وهذا بناء منه على أن "بورك" خبر لا دعاء. أما إذا قلنا: إنه دعاء كما تقدم في النور فلا حاجة إلى الفاصل كما تقدم. وقد تقدم فيه استشكال: وهو أن الطلب لا يقع خبرا في هذا الباب فكيف وقع هذا خبرا لـ "أن" المخففة وهو دعاء؟

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 574 ] الثاني: من الأوجه الأول: أن القائم مقام الفاعل نفس "أن بورك" على حذف حرف الجر أي: بأن بورك. و "أن" حينئذ: إما ناصبة في الأصل، وإما مخففة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أنه ضمير المصدر المفهوم من الفعل أي: نودي النداء، ثم فسر بما بعده. ومثله "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من في النار" "من" قائم مقام الفاعل لـ "بورك". وبارك يتعدى بنفسه، ولذلك بني للمفعول. يقال: باركك الله، وبارك عليك، وبارك فيك، وبارك لك، وقال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3539 - فبوركت مولودا وبوركت ناشئا وبوركت عند الشيب إذ أنت أشيب



                                                                                                                                                                                                                                      وقال عبد الله بن الزبير:


                                                                                                                                                                                                                                      3540 - فبورك في بنيك وفي بنيهم     إذا ذكروا ونحن لك الفداء



                                                                                                                                                                                                                                      وقال آخر:


                                                                                                                                                                                                                                      3541 - بورك الميت الغريب كما بو     رك نضح الرمان والزيتون



                                                                                                                                                                                                                                      والمراد بـ "من": إما الباري تعالى، وهو على حذف مضاف أي: من [ ص: 575 ] قدرته وسلطانه في النار. وقيل: المراد به موسى والملائكة، وكذلك بمن حولها. وقيل: المراد بـ "من" غير العقلاء وهو النور والأمكنة التي حولها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وسبحان الله" فيه أوجه، أحدها: أنه من تتمة النداء أي: نودي بالبركة وتنزيه رب العزة. أي: نودي بمجموع الأمرين. الثاني: أنه من كلام الله تعالى مخاطبا لنبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو على هذا اعتراض بين أثناء القصة. الثالث: أن معناه: وبورك من سبح الله. يعني أنه حذف "من" وصلتها وأبقى معمول الصلة إذ التقدير: بورك من في النار ومن حولها، ومن قال: سبحان الله و "سبحان" في الحقيقة ليس معمولا لـ "قال" بل لفعل من لفظه، وذلك الفعل هو المنصوب بالقول.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية