الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (12) قوله : من سلالة : فيه وجهان: أحدهما: - وهو الظاهر- أن يتعلق بـ " خلقنا " و " من " لابتداء الغاية. والثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنها حال من الإنسان. والسلالة: فعالة. وهو بناء يدل على القلة كالقلامة. وهي من سللت الشيء من الشيء أي استخرجته منه، ومنه قولهم: هو سلالة أبيه كأنه انسل من ظهره وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      3403 - فجاءت به عضب الأديم غضنفرا سلالة فرج كان غير حصين



                                                                                                                                                                                                                                      وقال أمية بن أبي الصلت:


                                                                                                                                                                                                                                      3404 - خلق البرية من سلالة منتن     وإلى السلالة كلها سنعود



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 321 ] [653/أ] وقال الزمخشري: "السلالة: الخلاصة لأنها تسل من بين الكدر". وهذه الجملة جواب قسم محذوف. أي: والله لقد خلقنا. وعطفت على الجملة قبلها لما بينهما من المناسبة; وهو أنه تعالى لما ذكر أن المتصفين بتلك الأوصاف يرثون الفردوس، فتضمن ذكر المعاد الأخروي، ذكر النشأة الأولى ليستدل بها على المعاد، فإن الابتداء في العادة أصعب من الإعادة كقوله: "وهو أهون عليه". وهذا أحسن من قول ابن عطية: "هذا ابتداء كلام، والواو في أوله عاطفة جملة كلام على جملة كلام، وإن تباينتا في المعنى" لأني قدمت لك وجه المناسبة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "من طين" في "من" وجهان، أحدهما: أنها لابتداء الغاية. والثاني: أنها لبيان الجنس. قال الزمخشري: "فإن قلت: ما الفرق بين "من" و "من"؟ قلت الأولى للابتداء، والثانية للبيان كقوله: "من الأوثان". قال الشيخ: "ولا تكون للبيان; إلا إذا قلنا: إن السلالة هي الطين. أما إذا قلنا: إنه من أنسل من الطين فـ "من" لابتداء الغاية".

                                                                                                                                                                                                                                      وفيما تتعلق به "من" هذه أوجه، أحدها: أنها تتعلق بمحذوف إذ هي صفة لـ "سلالة". الثاني: أنها تتعلق بنفس "سلالة"; لأنها بمعنى مسلولة. الثالث: أنها تتعلق بـ "خلقنا" لأنها بدل من الأولى، إذا قلنا: إن السلالة هي نفس الطين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية