الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (96) قوله : حتى إذا : قد تقدم الكلام على "حتى" الداخلة على "إذا" مشبعا. وقال الزمخشري هنا: "فإن قلت: بم تعلقت "حتى" واقعة غاية له وأية الثلاث هي؟ قلت: هي متعلقة بـ "حرام" وهي غاية له; لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة، وهي "حتى" التي يحكى بعدها الكلام، والكلام المحكي هو الجملة من الشرط والجزاء، أعني "إذا" وما في حيزها". وأبو البقاء نحا هذا النحو فقال: "وحتى" متعلقة في المعنى بـ "حرام" أي: يستمر الامتناع إلى هذا الوقت، ولا عمل لها في "إذا".

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الحوفي: "هي غاية، والعامل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم [ ص: 202 ] على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك". وقال ابن عطية: "حتى" متعلقة بقوله "وتقطعوا". وتحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تتعلق بـ "يرجعون"، وتحتمل أن تكون حرف ابتداء، وهو الأظهر; بسبب "إذا"; لأنها تقتضي جوابا هو المقصود ذكره". قال الشيخ: "وكون "حتى" متعلقة بـ "تقطعوا" فيه بعد من حيث كثرة الفصل لكنه من حيث المعنى جيد: وهو أنهم لا يزالون مختلفين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك كله".

                                                                                                                                                                                                                                      وتلخص في تعلق "حتى" أوجه، أحدها: أنها متعلقة بـ "حرام". الثاني: أنها متعلقة بمحذوف دل عليه المعنى، وهو قول الحوفي. الثالث: أنها متعلقة بـ "تقطعوا". الرابع: أنها متعلقة بـ "يرجعون". وتلخص في "حتى" وجهان، أحدهما: أنها حرف ابتداء وهو قول الزمخشري وابن عطية فيما اختاره، الثاني: حرف جر، بمعنى إلى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ "فتحت" بالتشديد ابن عامر. والباقون بالتخفيف. وقد تقدم ذلك أول الأنعام، وفي جواب "إذا" أوجه أحدها: أنه محذوف فقدره أبو إسحاق: "قالوا يا ويلنا"، وقدره غيره: فحينئذ يبعثون. وقوله " فإذا هي شاخصة" عطف على هذا المقدر. الثاني: أن جوابها الفاء في قوله "فإذا هي" قاله الحوفي والزمخشري وابن عطية. فقال الزمخشري: "وإذا هي [ ص: 203 ] المفاجأة، وهي تقع في المجازاة سادة مسد الفاء كقوله تعالى: "إذا هم يقنطون" فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد. ولو قيل: إذا هي شاخصة كان سديدا. وقال ابن عطية: "والذي أقول: إن الجواب في قوله "فإذا هي شاخصة"، وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره; لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرم عليهم امتناعه".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "يأجوج" هو على حذف مضاف أي: سد يأجوج ومأجوج. وتقدم الكلام فيهما قريبا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وهم" يجوز أن يعود على يأجوج ومأجوج، وأن يعود على العالم بأسرهم. والأول أظهر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ العامة: " ينسلون " بكسر السين، وأبو السمال وابن أبي إسحاق بضمها. والحدب: النشز من الأرض أي: المرتفع، ومنه الحدب في الظهر وكل كدية أو أكمة فهي حدبة، وبها سمي القبر لظهوره على وجه الأرض، والنسلان مقاربة الخطو مع الإسراع، يقال: نسل ينسل وينسل بالفتح في الماضي، والكسر والضم في المضارع، ونسل وعسل واحد، قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3361 - عسلان الذئب أمسى قاربا برد الليل عليه فنسل



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 204 ] والنسل من ذلك وهو الذرية، أطلق المصدر على المفعول. و "نسلت ريش الطائر" من ذلك. وقدم الجار على متعلقه لتواخي رؤوس الآي. وقرأ عبد الله وابن عباس "جدث" بالثاء المثلثة، وهو القبر. وقرئ بالفاء وهي بدل منها. قال الزمخشري: "الثاء للحجاز والفاء لتميم". وينبغي أن يكونا أصلين; لأن كلا منهما لغة مستقلة، ولكن قد كثر إبدال الثاء من الفاء قالوا: معثور في معفور، وقالوا: "فم" في ثم، فأبدلت هذه من هذه تارة، وهذه من هذه أخرى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية