الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (97) قوله : فإذا هي شاخصة أبصار : فيه أوجه أحدها: - وهو الأجود- أن تكون "هي" ضمير القصة، و "شاخصة" خبر مقدم، و "أبصار" مبتدأ مؤخر، والجملة خبر لـ "هي" لأنها لا تفسر إلا بجملة مصرح بجزأيها، وهذا مذهب البصريين. الثاني: أن تكون "شاخصة" مبتدأ، و "أبصار" فاعل سد مسد الخبر، وهذا يتمشى على رأي الكوفيين; لأن [ ص: 205 ] ضمير القصة يفسر عندهم بالمفرد العامل عمل الفعل فإنه في قوة الجملة. الثالث: قال الزمخشري: "هي" ضمير مبهم توضحه الأبصار وتفسره، كما فسر "الذين ظلموا" "وأسروا". ولم يذكر غيره. قلت: وهذا هو قول الفراء; فإنه قال: "هي" ضمير الأبصار تقدمت لدلالة الكلام ومجيء ما يفسرها". وأنشد شاهدا على ذلك:


                                                                                                                                                                                                                                      3362 - فلا وأبيها لا تقول حليلتي ألا فر عني مالك بن أبي كعب



                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: أن تكون "هي" عمادا، وهو قول الفراء أيضا، قال: "لأنه يصلح موضعها "هو" وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      3363 - بثوب ودينار وشاة ودرهم     فهل هو مرفوع بما ههنا راس



                                                                                                                                                                                                                                      وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي: وهو أنه يجيز تقدم الفصل مع الخبر المقدم نحو: "هو خير منك زيد" الأصل: زيد هو خير منك، [ ص: 206 ] وقال الشيخ: "أجاز هو القائم زيد، على أن "زيدا" هو المبتدأ و "القائم" خبره و "هو" عماد. وأصل المسألة: زيد هو القائم". قلت: وفي هذا التمثيل [نظر]; لأن تقديم الخبر هنا ممتنع لاستوائهما في التعريف، بخلاف المثال الذي قدمته، فيكون أصل الآية الكريمة: فإذا أبصار الذين كفروا هي شاخصة، فلما قدم الخبر وهو "شاخصة" قدم معها العماد. وهذا أيضا إنما يجيء على مذهب من يرى وقوع العماد قبل النكرة غير المقاربة للمعرفة.

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس: أن تكون "هي" مبتدأ، وخبره مضمر، ويتم الكلام حينئذ على "هي"، ويبتدأ بقوله "شاخصة أبصار". والتقدير: فإذا هي بارزة أي: الساعة بارزة أو حاضرة، و "شاخصة" خبر مقدم و "أبصار" مبتدأ مؤخر. ذكره الثعلبي. وهو بعيد جدا لتنافر التركيب، وهو التعقيد عند علماء البيان.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "يا ويلنا" معمول لقول محذوف، وفي هذا القول المحذوف وجهان، أحدهما: أنه جواب "حتى إذا" كما تقدم. والثاني: في محل نصب على الحال من "الذين كفروا"، قاله الزمخشري.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية