الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( الرابع : انتفاء الولد عنه بمجرد اللعان . ذكره أبو بكر ) اعلم أن الولد ينتفي بتمام تلاعنهما . على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب [ ص: 254 ] وقدمه في المغني ، والمحرر ، والشرح ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وغيرهم . وعنه : لا ينتفي إلا بحكم حاكم . وعنه : لا ينتفي إلا بحكم الحاكم بالفرقة ، فينتفي حينئذ كما تقدم . ومتى تحصل الفرقة . وقال في المحرر : ويتخرج أن ينتفي نسب الولد بمجرد لعان الزوج . وقاله في الانتصار . قال الزركشي : وكأنه خرجه من القول : إن تعذر اللعان من جهة المرأة يلاعن الزوج وحده لنفي الولد . وأما ذكر الولد في اللعان : فاختار أبو بكر أنه لا يعتبر ذكره في اللعان ، وأنه ينتفي عنه بمجرد اللعان . وقال القاضي : يشترط أن يقول " هذا الولد من زنا وليس هو مني " . وقال الخرقي : لا ينتفي حتى يذكره هو في اللعان . فإذا قال " أشهد بالله لقد زنيت " يقول " وما هذا الولد ولدي " وتقول هي " أشهد بالله لقد كذب . وهذا الولد ولده " . وهذا المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . منهم : القاضي ، والمصنف ، والشارح وغيرهم . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في النظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع ، وغيرهم . قال في المحرر : وإن قذفها ، وانتفى من ولدها : لم ينتف حتى يتناوله اللعان . إما صريحا ، كقوله " أشهد بالله لقد زنت ، وما هذا الولد ولدي " وتقول هي بالعكس . وإما ضمنا بأن يقول : من قذفها بزنا في طهر لم يصبها فيه ، وادعى أنه اعتزلها حتى ولدت " أشهد بالله إني لصادق فيما ادعيت عليها " أو " فيما رميتها به من الزنا " ونحوه . [ ص: 255 ] وقيل : ينتفي بنفيه في اللعان من الزوج ، وإن لم تكذبه المرأة في لعانها .

فائدة :

لو نفى أولادا : كفاه لعان واحد .

قوله ( وإن نفى الحمل في التعانه : لم ينتف حتى ينفيه عند وضعها له ، ويلاعن ) . هذا المذهب . نقله الجماعة عن الإمام أحمد رحمه الله . وعليه أكثر الأصحاب . قال الزركشي : عليه عامة الأصحاب . قال في القاعدة الرابعة والثمانين : هذا المذهب عند الأصحاب . وجزم به الخرقي ، وصاحب الوجيز ، وناظم المفردات ، وغيرهم . وقدمه في الرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع . وهو من مفردات المذهب . وقيل : يصح نفيه قبل وضعه . واختاره المصنف ، والشارح . ونقله ابن منصور في لعانه . وهي في الموجز في نفيه أيضا . قال الخلال عن رواية ابن منصور : هذا قول أول . وذكر النجاد : أن رواية ابن منصور المذهب . وينبني على هذا الخلاف استلحاقه . فعلى الأول : لا يصح . ونص عليه الإمام أحمد رحمه الله في رواية ابن القاسم . وعلى الثاني : يصح . قاله الزركشي . وعلى المذهب : يلاعن لدرء الحد . على الصحيح . وقال في الانتصار : نفيه ليس قذفا بدليل نفيه حمل أجنبية . فإنه لا يحد .

قوله ( ومن شرط نفي الولد : أن لا يوجد دليل على الإقرار به . فإن أقر به أو بتوأمه ، أو نفاه وسكت عن توأمه ، أو هنئ به [ ص: 256 ] فسكت ، أو أمن على الدعاء ، أو أخر نفيه مع إمكانه : لحقه نسبه ولم يملك نفيه )

. اعلم أن من شرط صحة نفيه : أن ينفيه حالة علمه من غير تأخير ، إذا لم يكن عذر . على الصحيح من المذهب . وعليه أكثر الأصحاب . وجزم به في الوجيز . وقدمه في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفروع . وقيل : له تأخير نفيه ما دام في مجلس علمه . وقال في الانتصار : في لحوق الولد بواحد فأكثر إن استلحق أحد توأميه ونفى الآخر ولاعن له : لا يعرف فيه رواية . وعلة مذهبه جوازه . فيجوز أن يرتكبه .

قوله ( وإن قال : لم أعلم به ، أو لم أعلم أن لي نفيه ، أو لم أعلم أن ذلك على الفور ، وأمكن صدقه : قبل قوله ، ولم يسقط نفيه ) . شمل بمنطوقه مسألتين .

إحداهما : أن يكون قائل ذلك : حديث عهد بالإسلام . أو من أهل البادية فيقبل قوله بلا نزاع أعلمه .

الثانية : أن يكون عاميا . فلا يقبل قوله في ذلك . على الصحيح من المذهب . قدمه في الفروع ، والقواعد الأصولية . وقطع به القاضي في المجرد . وقيل : يقبل . وهو ظاهر كلام المصنف هنا . واختاره المصنف ، والشارح . وأما إذا كان فقيها ، وادعى ذلك : فلا يقبل قوله ، على الصحيح من المذهب . وعليه الأصحاب . قاله المصنف والشارح . وقدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . وقيل : يقبل . وهو احتمال للمصنف . ويحتمله كلامه هنا . واختار في الترغيب القبول ممن يجهله . [ ص: 257 ] قوله ( وإن أخره لحبس ، أو مرض ، أو غيبة ، أو شيء يمنعه ذلك : لم يسقط نفيه ) . هذا المذهب مطلقا . وقدمه في الفروع . وقال المصنف في المغني ، والشارح : إن كانت مدة ذلك تتطاول ، وأمكنه التنفيذ إلى الحاكم ليبعث إليه من يستوفي عليه اللعان ، فلم يفعل : بطل نفيه . وإن لم يمكنه أشهد على نفيه . فإن لم يفعل بطل خياره . وقطعا بذلك . وجزم به في الوجيز

قوله ( ومتى أكذب نفسه بعد نفيه : لحقه نسبه . ولزمه الحد إن كانت المرأة محصنة ، أو التعزير إن لم تكن محصنة ) . وهذا المذهب . وعليه الأصحاب . وينجر أيضا نسبه من جهة الأم إلى جهة الأب كالولاء . ويتوارثان . قال في الفروع : ويتوجه في الإرث وجه ، كما لا يرثه إذا أكذب نفسه . انتهى قال ابن نصر الله في حواشيه : هذا كلام لم يظهر معناه . وتوقف فيه شيخنا ومولانا القاضي علاء الدين ابن مغلى . ولعل " كما " زائدة . فيصير : ويتوجه وجه لا يرثه إذا أكذب نفسه . وهو ظاهر . وفي المستوعب رواية : لا يحد . وسأله مهنا : إن أكذب نفسه ؟ قال : لا حد ولا لعان . لأنه قد أبطل عنه القذف . انتهى . ولو أنفقت الملاعنة على الولد ثم استلحقه الملاعن رجعت عليه بالنفقة . ذكره المصنف . قال : لأنها إنما أنفقت عليه لظنها أنه لا أب له .

فوائد

الأولى : لو استلحق الولد : لم يصح استلحاقه حتى يقول بعد الوضع بضد ما قاله قبل ذلك . قاله ناظم المفردات ، وهو منها . [ ص: 258 ]

الثانية : لا يلحقه نسبه باستلحاق ورثته له بعد موته والتعانه . على الصحيح من المذهب . نص عليه . وقيل : يلحقه .

الثالثة : لو نفى من لا ينتفي ، وقال " إنه من زنا " حد إن لم يلاعن . على الصحيح من المذهب . اختاره أبو الخطاب ، والمصنف ، وابن عبدوس في تذكرته . وعنه : يحد ، وإن لاعن . اختاره القاضي ، وغيره . وأطلقهما في المحرر ، والنظم ، والرعايتين ، والحاوي ، والفروع .

التالي السابق


الخدمات العلمية