الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإن قال : إن أمرتك فخالفتيني فأنت طالق ، فنهاها فخالفته : لم يحنث إلا أن ينوي مطلق المخالفة ) ، هذا المذهب ، اختاره أبو بكر وغيره ، وجزم في الوجيز ، ومنتخب الأدمي ، وقدمه في الخلاصة ، والشرح ، والفروع ، والنظم ، قال ابن منجا في شرحه : هذا المذهب ، ويحتمل أن تطلق مطلقا ، جزم به في المنور ، وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، واختاره ابن عبدوس في تذكرته ، وقال أبو الخطاب : إن لم تعرف حقيقه الأمر والنهي : حنث ، قلت : وهو قوي جدا ، قال في القواعد الأصولية : ولعل هذا أقرب إلى الفقه والتحقيق .

فائدتان . إحداهما : عكس هذه المسألة : مثل قوله " إن نهيتك فخالفتيني : فأنت طالق " فأمرها وخالفته ، لم يذكرها الأصحاب ، وقال في القواعد الأصولية : ويتوجه تخريج على هذه المسألة : ألا يفرق بينهما بفرق مؤثر ليمتنع التخريج . انتهى . قلت : علل المصنف والشارح القول بأنها تطلق بكل حال : بأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ، والنهي عنه أمر بضده . انتهيا . وقد قال معنى ذلك الأصوليون .

الثانية : لو قال " إن كلمتك فأنت طالق " ثم قاله ثانيا : طلقت واحدة وإن [ ص: 97 ] قاله ثالثا : طلقت ثانية ، وإن قاله رابعا : طلقت ثلاثا ، وتبين غير المدخول بها بطلقة ، ولم تنعقد يمينه الثانية ولا الثالثة ، على الصحيح من المذهب ، اختاره القاضي وغيره ، وجزم به في المغني ، وغيره ، وقدمه في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والنظم ، وغيرهم ، وقال في المحرر ، وعندي : تنعقد الثانية ، بحيث إذا تزوجها وكلمها : طلقت ، إلا على قول التميمي : تنحل الصفة مع البينونة ، فإنها قد انحلت بالثانية ; لأنه قد كلمها ، ولا يجيء مثله في الحلف بالطلاق ; لأنه لم ينعقد لعدم إمكان إيقاعه . انتهى . قال في الفروع : ويتوجه أنه لا فرق في المعنى بينها وبين مسألة الحلف السابقة فإما لا يصح فيهما ، وهو أظهر كالأجنبية ، وإما أن يصح فيهما ، كما سبق من قول الإمام أحمد رحمه الله ، أما التفرقة بين مسألة الحلف وبين مسألة الكلام ، كما هو ظاهر كلام بعضهم : فلا وجه له من كلام الإمام أحمد رحمه الله ، ولا معنى يقتضيه ، ولم أجد من صرح بالتفرقة . انتهى . وقال في القاعدة السابعة والخمسين : لوقال لامرأته التي لم يدخل بها " إن كلمتك فأنت طالق " ثم أعاده : طلقت بالإعادة ، لأنها في المشهور عند الأصحاب ، وقال ابن عقيل في عمد الأدلة : قياس المذهب عندي : أنه لا يحنث بهذا الكلام ، وعلله فإذا وقع الطلاق بالإعادة ثانيا ، فهل تنعقد به يمين ثانية ، أم لا ؟ فيه وجهان . أحدهما : لا تنعقد ، وهو قول القاضي في الجامع والخلاف ، ومن اتبعه ، [ ص: 98 ] كالقاضي يعقوب ، وابن عقيل ، وهو قياس قول صاحب المغني ، وله مأخذان ، وذكرهما . والوجه الثاني : تنعقد اليمين ، وهو اختيار صاحب المحرر ، بناء على أن الطلاق يقف وقوعه على تمام الإعادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية