الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      الدعوى بين الراهن والمرتهن في حلول أجل الدين قلت : أرأيت إن قال المرتهن : قد حل أجل المال ، وقال الراهن لم يحل أجل المال ؟

                                                                                                                                                                                      قال : القول قول الراهن لأن المرتهن قد أقر أن الحق إلى أجل ، وهذا إذا أتى الراهن بأمر لا يستنكر بأن ادعى أجلا يشبه أن يكون القول قوله ، لا يدعي أجلا بعيدا يستنكر ، فإن ادعى من ذلك ما لا يشبه لم يصدق .

                                                                                                                                                                                      قلت : وهذا قول مالك قال : أخبرني بعض من أثق به أنه سأل مالكا عن الرجل يبيع من الرجل السلعة ، فتفوت عنده السلعة فيقتضيه ثمنها ، فيقول الذي عليه الحق : ثمنها إنما هو إلى أجل كذا وكذا ، ويقول الذي له الحق : ديني حال . قال مالك : إن ادعى الذي عليه الحق أجلا قريبا لا يستنكر ، رأيته مصدقا . وإن ادعى أجلا بعيدا لم يقبل قوله : قال ابن القاسم : وأنا أرى أن لا يصدق المبتاع في الأجل ، ويؤخذ بما أقر به من المال حالا إلا أن يكون أقر بأكثر مما ادعى البائع ، فلا يكون للبائع إلا ما ادعى . فهذا لم يزعم أنه باع إلى أجل فقد جعل مالك القول قول مدعي الأجل إذا أتى بأمر لا يستنكر . ففي مسألتك أحرى أن يكون القول قول من ادعى الأجل قال سحنون : إنما معنى قول مالك : " إن ادعى أجلا قريبا " يريد بذلك ما يرى أن تلك السلعة قد تباع بذلك إلى ذلك من الأجل الذي ادعى ، ومعنى قوله : " إن ادعى أجلا بعيدا لم يقبل قوله " إنما يريد بذلك إن ادعى أنه ابتاع إلى أجل ، يرى أن تلك السلعة لا تباع إلى ذلك من الأجل فهذا لا يقبل قوله ; لأنه قد ادعى ما لا يمكن ، بمنزلة ما يدعي الرجل في السلعة فيقول : اشتريتها بخمسة دراهم ، ومثلها لا يبتاع بخمسة دراهم ، وهي ثمن عشرة دنانير أو خمسة عشر ، فهذا لا يقبل قوله ، فهكذا هذه المسألة التي وصفت لك .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية