الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن قال الرجل في وصيته : عبدي يخدم فلانا ولم يقل حياته ولم يوقت شيئا من السنين ، وأوصى أن رقبته لفلان - لرجل آخر - ولم يقل من بعده كيف يصنع بهذا ، أتكون الوصية ههنا بالخدمة ، إنما هي حياة المخدم فقط ثم يرجع العبد إذا مات المخدم إلى الموصى له بالرقبة أم لا في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا أعرف هذا في شيء من قول مالك ، إنما هو قول مالك على وجهين الذي سمعت أنا منه : إما أن يقول غلامي [ ص: 360 ] يخدم فلانا عشر سنين ، أو يقول : حياة المخدم . فإذا انقرض المخدم أو انقضت العشر سنين فهو لفلان ، فهذا الذي تعرف . وأما إذا جعل لواحد خدمته ولم يوقت ، وجعل لآخر رقبته ، فأرى أن يتحاصا ، تقوم الرقبة وتقوم الخدمة على غررها حياة الذي أخدم ، ثم يتحاصان فيها جميعا على قدر ذلك . وقال مالك : من أخدم رجلا عبدا إلى أجل من الآجال ، فمات المخدم قبل أن ينقضي الأجل ، فإن العبد يخدم ورثة المخدم بقية الأجل إذا كان على ما وصفت لك ، ليس من عبيد الحضانة والكفالة ، وإنما هو من عبيد الخدمة . ولو أن رجلا قال لرجال : اشهدوا أني قد وهبت خدمة هذا العبد لفلان ، ثم مات الذي أخدم ، كان لورثته خدمة هذا العبد ما بقي إلا أن يكون إنما أراد حياة المخدم ، يستدل على ذلك في مقالته أنه إنما أراد حياة المخدم سحنون : وقال غيره : إذا أوصى في عبد يخدم فلانا ولم يقل حياته ولم يوقت شيئا من السنين ، وأوصى برقبة العبد لرجل آخر ولم يقل من بعد موت الموصى له بالخدمة ، فهذه وصية واحدة في العبد ، فالخدمة هي حياة الموصى له بالخدمة . وقال أشهب : لو أن رجلا قال لرجال : اشهدوا أني قد وهبت خدمة هذا العبد لفلان ، فإنما هي حياة فلان ، ولو كان أراد حياة العبد لكانت الرقبة للموهوب له الخدمة ; لأنه لما لم يكن له مرجع إلى سيده فقد أثبتت للموهوب له .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية