الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أقمت البينة أن هذه الدار دار أبي وجدي ولم يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لي أيقضي لي بها السلطان في قول مالك أم لا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا ، حتى يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لا يعلمون أنه أحدث فيها شيئا ، ولا خرجت عن يده . وجل الدور تعرف لمن كان أولها ، ثم قد تداولها أقوام بعد ذلك . فهم إن شهدوا يشهدون ولا علم لهم بما كان فيها ، ولا تجوز شهادتهم حتى يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لا يعلمون له وارثا غيره ، إذا شهدوا أن هذا وارث جده أو وارث أبيه .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن شهدوا أن هذا وارث أبيه أو جده مع ورثة آخرين ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا يعطى هذا إلا حظه .

                                                                                                                                                                                      قلت : فحظوظ إخوته ، أتؤخذ من يد هذا الذي هي في يديه ، فيضعها السلطان على يدي عدل ؟

                                                                                                                                                                                      قال : أرى أن لا يعطى لهذا منها إلا بمقدار حظه وما استحق من ذلك ، ويترك السلطان ما سوى ذلك في يدي المدعى عليه ، حتى يأتي من يستحقه ولا يخرجه من يديه .

                                                                                                                                                                                      قال سحنون : وقد كان يقول غير هذا . وروى أشهب عن مالك أنه قال : ينتزع من يد المطلوب ويوقف .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت لو أن قوما شهدوا على أن هذه الدار دار جدي ، وأن هذا المولى مولى جدي ، ولم يحددوا المواريث ، لم يشهدوا أن جدي مات فورثه أبي وأن أبي مات فورثته أنا ؟

                                                                                                                                                                                      قال : سأل مالكا بعض أصحابنا وسمعته يسأل عن الرجل يقيم البينة أن هذه الدار دار جده ، ويكون فيها رجل قد حازها منذ سنين ذوات عدد ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : أما إن كان الرجل المدعي حاضرا ، فلا أرى له فيها حقا لأجل حيازته إياها ، إذا كان قد حازها سنين ذوات عدد ، وأما إذا كان المدعي غائبا وثبتت المواريث حتى صارت [ ص: 51 ] له ، فإني أرى أن يسأل الذي هي في يديه من أين صارت له ، فإن أتى ببينة على شراء أو سماع على الاشتراء ، وإن لم يكن أحد يشهد على معاينة الشراء ولا من يشهد على البتات إلا على السماع ، فأرى الشهادة جائزة للذي هي في يديه بالسماع بالاشتراء ، وإن لم يكن في أصل الشهادة شهادة تقطع على البيع .

                                                                                                                                                                                      قال مالك : لأن ههنا دورا تعرف لمن أولها قد بيعت ، ولا يوجد من يشهد على أصل الشراء إلا بالسماع ثم قال لنا : تلك منها هذه الدار التي أنا فيها ، قد باعها أهلها وليس أحد يشهد على أصل الشراء إلا بالسماع فإذا أتى الذي في يديه الدار بأصل الشراء ، أو بقوم يشهدون على سماع الاشتراء فذلك .

                                                                                                                                                                                      قلت : فإن لم يأت الذي في يديه الدار بشيء من هذا ، لا بقوم يشهدون على السماع ، ولا بقوم يشهدون على الشراء أتجعلها للذي أقام البينة أنها لجده على ما ثبت في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : قال مالك : نعم ، تكون للذي أقام البينة أنها لجده إذا كان غائبا .

                                                                                                                                                                                      قلت : وشهادة السماع ههنا إنما هو أن يشهدوا أنهم سمعوا أن هذا اشترى هذه الدار من جد هذا المدعي ، قال : إذا تقادم ذلك ; جازت شهادتهم على السماع وإن كان المشتري حيا ; لأن المشتري يشتري ويتقادم ذلك حتى يكون لشرائه هذا أربعون سنة أو خمسون سنة أو ستون سنة أو نحو ذلك . ولم أوقف مالكا على أنه هو اشتراه بعينه ، إلا أن الذي ذكر لي مالك ، إنما هو في الشراء الذي يتقادم .

                                                                                                                                                                                      قال : وأما في الولاء ، فإن مالكا قال : أقضي بالسماع إذا شهدت الشهود على السماع أنه مولاه بالمال ، ولا أقضي له بالولاء .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أقام البينة أن الدار دار أبيه ، وقالت البينة لا نعرف كم الورثة ، أيقضى له بشيء من الدار في قول مالك ؟ وكيف إن قال الابن إنما أنا وأخي ليس معنا وارث غيرنا ، أو قال : أنا وحدي الوارث ليس معي وارث غيري ، أيصدق في قول مالك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : لا أقوم على حفظ قول مالك في هذا ، ولا أرى أن يقضي له السلطان بشيء حتى يقيم البينة على عدة الورثة .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أقمت البينة على أنها دار جدي ، ولم يشهد الشهود أن جدي مات وتركها ميراثا لأبي ، وأن أبي مات وتركها ميراثا لورثته ، ولم يحددوا المواريث بحال ما وصفت لك ؟

                                                                                                                                                                                      قال : سألنا مالكا عنها فقال : ينظر في ذلك ، فإن كان المدعي حاضرا بالبلدة التي الدار فيها ، وقد حيزت دونه السنين يراهم يسكنون ، ويحوزون بما تحاز به الدور ، فلا حق له فيها . وإن كان لم يكن بالبلد التي الدار بها ، وإنما قدم من بلاد أخر فأقام البينة على أنها دار أبيه أو دار جده وثبتت المواريث ، وسئل من الذي الدار في يديه ، فإن أتى ببينة على أصل الشراء ، أو الوجه الذي صارت به إليه ، أو سماع من جيرانه أو من غير جيرانه أن جده أو والده كان اشترى هذه الدار ، أو هو بنفسه إذا طال الزمان فقالوا : سمعنا أنه اشتراها وههنا دور تعرف لمن أولها وقد تقادم الزمان ، وليس على أصل الشراء بينة وإنما هو سماع من الناس أن فلانا قد اشترى هذه [ ص: 52 ] الدار وإن لم تثبت يعني المواريث لم يسأل الذي الدار في يديه عن شيء .

                                                                                                                                                                                      قلت : أرأيت إن أتى الذي في يديه الدار ببينة ، يشهدون أنهم سمعوا أن هذا الرجل الذي في يديه الدار أنه اشترى هذه الدار ، أو اشتراها جده أو اشتراها والده ، إلا أنهم قالوا سمعنا أنه اشتراها ولكنا لم نسمع بالذي اشتراها منه من هو ؟ .

                                                                                                                                                                                      قال : لم أسمع من مالك فيه شيئا ، ولا أرى ذلك حتى يشهدوا على سماع صحة أنه اشتراها من فلان أبي هذا المدعي أو جده .

                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية